الثورة – رنا بدري سلوم:
“أغيثوا الساحل السوري، الفريق الأخضر، أغيثوا غطاءنا النباتي” وغيرها الكثير من المبادرات الإنسانية التي استنفرت جهودها لمساعدة أهلنا في الساحل الذي لا تزال ألسنة النار تلتهمه رغم الجهود الحثيثة والمستمرة من رجال الدفاع المدني والخوذ البيضاء والمجتمع الأهلي من جميع المحافظات السورية.
بالأمس القريب قال لي الطفل تيم:” إن والدي في اللاذقية منذ أسبوع ليخمد النيران وهو رجل من رجال الدفاع المدني في ريف دمشق، أتابع أبي عبر الأخبار والمنصات الاجتماعية وأدعو له وللساحل بأن تنطفئ تلك النيران”.
آلاف العائلات السورية التي ترنو إلى الأشجار المتآكلة الثكلى عبر شاشات الجوالات تتابع عن كثب النشرة الجوية وحركة الرياح والحالات المحترقة والحيوانات المترمدة، كل تلك الحالات لن تثني عن تلبية النداءات والمساعدة، فقد فتحت قلوبها وأكفها للمساعدة قدر الإمكان بعناوين مختلفة، ومبادرات عززت ثقافة التطوع، بعيداً عن المصلحة، وخاصة في التعاملات المرادية التي لا تعطيك شيئاً إلا وتأخذ منك مقابله أشياء أخرى.
واليوم ينطلق مجتمعنا السوري بأطيافه بروح الملائكة، وتضحيات الصالحين، يقدمون الأعمال الخيرية، طالبين مرضاة الله وإنهاء الحرائق التي أدمت أرواحهم وثكلت قلوبهم، ويعودون بعد أن يقدموا ما استطاعوا إليه سبيلاً، إلى الدعاء والاستغفار أن يطفئ الله النيران بقوته وجبروته ورضاه.
رجال وسط النار تمنعنا المسافات عنهم، ورغم ذلك، نرفع الدعاء ونفتح صفحاتنا لإيصال أصوات أهلنا في الساحل رغم كل المساعدات والنداءات فقد شارك العديد من الكتاب والأدباء السوريين أصوات الإغاثة والتي تقول” ريف اللاذقية يحترق والكارثة تزداد والرياح تعيد اشتعال النيران والناس تُهجّر من بيوتها، فقط أبطال الدفاع المدني وفرق الإطفاء والمتطوعون يواجهون النيران بوسائل محدودة، أكثر من 150 فريقاً و300 آلية و16 طائرة من سوريا وتركيا ولبنان والأردن تحاول السيطرة لكن النيران تزداد انتشاراً، الاتحاد الأوروبي فعّل خرائط كوبرنيكوس لمساعدة الفرق، آلاف السكان نزحوا، والخطر يهدد البيئة والطبيعة والناس، نرجوكم انشروا هذا النداء بكل اللغات وبكل الوسائل، شاركوه على صفحاتكم، في مجموعاتكم، في رسائلكم، لنُبقي الضوء مسلطاً على ما يحدث، ولنضغط معاً من أجل دعم عالمي ودولي حقيقي وعاجل، هذه ليست مجرد حرائق، إنها كارثة وطنية، وكل تأخير في الدعم يعني أرواحاً وأشجاراً وقرى تحترق، شارك الآن، انشر الآن، أعد النشر، تحدث، لا تكن صامتاً”.
أسمى الأعمال الإنسانية جملة من الأسئلة توجهت بها إلى الدكتور علاء الدين الزعتري عن ثقافة التطوع التي تعود إلى الواجهة في الحروب والكوارث والنكبات، وباعتبار أن عيني سوريا الحرة لم تهنأ بعد، بعد إخماد نيران الحرب، اشتعل الساحل سواء بفعل الجفاف أم بفعل فاعل جشع قذر، هدفه أن لا تعيش سوريا حياة سالمة آمنة من النيران والدخان الذي يعمي القلوب والعيون.
وبحسب الدكتور الزعتري، إن أسمى الأعمال الإنسانية، تلك التي لا تنتظر مقابلاً لها، بل تنبع من قلبك، ومن رغبةٍ لديك في العطاء والتضحية، وبذلك يمثل العمل التطوعي بمنهجه الاجتماعي والإنساني سلوكاً حضارياً ترتقي به المجتمعات والحضارات منذ قدم الزمان، وأصبح اليوم يمثل رمزاً للتكاتف والتعاون بين أفراد المجتمع السوري، حيث يرتبط العمل التطوعي ارتباطاً وثيقاً بكل معاني الخير والعمل الصالح عند كل المجتمعات البشرية منذ الأزل، وذلك باعتباره ممارسة إنسانية.
ويعرف الزعتري العمل التطوعي.. أنه تقديم العون إلى شخص أو مجموعة أشخاص، يحتاجون إليه من دون مقابل مادي أو معنوي، والتطوع مسألة إنسانية تحدثت عنها كل الشرائع السماوية وجميع الدساتير الأرضية.. فالتطوع يمثل روح الإسلام في التعامل بين الناس، وفي حمايته لأفراد مجتمعه، ويحث على العمل التطوعي، ويثني على من يُسَخِّر نفسه لخدمة الآخرين، درءاً لمفاسد وأخطار نزلن بهم، أو دفع أضرار وقعت عليهم، إن كل إنسان مطالب بعمل الخير بما يتناسب مع قدراته، انطلاقاً من قوله تعالى: “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”.
تكاتفنا خيار وطريقنا الوحيد العمل التطوعي ممارسة إنسانية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بكل معاني الخير والعمل منذ الأزل، وفقاً للزعتري: فمن حيث الحجم يقل العمل التطوعي في فترات الاستقرار والهدوء، ويزيد في أوقات الكوارث والنكبات والحروب كالتي نشهدها اليوم في مؤازرات للدفاع المدني في الساحل، ومن حيث الشكل فقد يكون جهداً يدوياً وعضلياً أو مهنياً أو تبرعاً بالمال أو غير ذلك، وهو ما نراه من تقديم المساعدات الإغاثية من الجمعيات والفرق المتطوعة إلى أهلنا الأكثر تضرراً في الساحل.
ومن حيث الاتجاه فقد يكون تلقائياً أو موجهاً من قبل الدولة في أنشطة اجتماعية أو تعليمية أو تنموية وهو الاستنفار الحاصل اليوم، ومن حيث دوافعه فقد تكون دوافع نفسية أو اجتماعية أو سياسية، وهو ما يريده اليوم المجتمع السوري أن يعيش السلام والعدالة والحرية والمساواة.
ولابد أن ننوه إلى إحدى الآيات القرآنية الدالة على فعل الخير التطوعي، يقول الله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ويقول: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}، السابقون في الدنيا إلى فعل الخيرات والمتطوعون في خدمة الإنسان هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات.
ومن الأحاديث النبوية الدالة على فعل الخير التطوعي كما وردت، ومنها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسْلِمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فَرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة”.
هذه النصوص وغيرها الكثير تهدف إلى بث روح الجماعة الواحدة المرتبطة ببعضها البعض مادياً ومعنوياً، وهو ما نراه اليوم موقفاً مجتمعياً إنسانياً في ساحلنا السوري الحبيب.