الثورة – هفاف ميهوب:
يقول الفيلسوف الساخر والكاتب الإيرلندي الشهير “برنارد شو”: “ويلٌ لكلّ من يتصوّر أنني أصبحت شيخاً عجوزاً، ضعيف البنية، فأنا أملك لساناً أقوى من أساطيل الامبراطورية”..
إنه رأي فيلسوف، صارع الزمن فغلبه، بقدرته على استثمار كلّ لحظة فيه، ولصالحِ العقل والعلم والبصيرة الرائية.. البصيرة ذاتها التي دفعت كُثر من فلاسفة العالم، للشعور بأن الأعمال العظيمة، تأتي بعد الخبرة الطويلة، والحكمة الرزينة، وتقدّم العمر، وهو ما أكّده ردّ الفيلسوف الفرنسي “هنري برجسون” على من طلبوا منه أن يستريح، بعد أن بلغ الثمانين:
“كأنكم تريدون لي الموت.. لا تحبسوا عقلي، فقد يشيخ الجسد، ويضعف البصر، أما العقل فيبقى حيّاً متّقداً، باحثاً عن المعرفة، فلا تحرموني من لذّة البحث”..
لم يكن هؤلاء الفلاسفة، وحدهم من قاوموا الزمن بإبداعاتهم، ومن استمرّوا في مقاومتهم هذه، حتى آخر لحظة من حياتهم. لم يكونوا وحدهم من فعل ذلك، فغالبيةِ أهل العلم والفنّ والأدب فعلوا ذلك، وقد توافق رأيهم، مع رأي من ذكرناهم، مثلما مع رأي “هوكوساي”.. الرسام الياباني الشهير الذي أعلن بأن ولعه بالرسم مبكّرا، لم يجعل منه الرسام الذي أراده، إلا بعد تجاوزه سنّ السبعين، ويدلّ على ذلك بقوله:
“كّل ما أنتجته قبل سنّ السبعين، ليس جديراً بالاعتبار، ومن المؤكّد أنني حين أصل إلى الثمانين، سأكون قد حقّقت المزيد من التقدم، أما حين أبلغ التسعين، فقد أرغب بالنفاذ إلى سرّ الأشياء، وإذا قُدّر لي أن أصل إلى سنّ المئة، أكون قد بلغت مرحلة الإعجاز، وما بعد المئة، سيكون كلّ ما يخطّه قلمي، ولو مجرّد نقطة، مخلوقاً حقيقيّاً عامراً بالحياة”..
إنها الحقيقة، وتؤكدها الأعمال العظيمة التي قدمها كّثر جداً من مبدعي العالم، في أواخر حياتهم.. الأعمال التي كشفت عن ميلهم للسكينة والهدوء، وعن تقديمهم للمميّز والأروع..
قرأنا عن ذلك كثيراً ونذكر مما قرأنا:
أجمل روايات الكاتب والفيلسوف الفرنسي “فولتير” هي “كانديد” وقد كتبها وهو في الخامسة والسبعين من عمره.
قدّم فيلسوف وشاعر ألمانيا العظيم “غوته”، في شيخوخته، النهاية الرائعة للجزء الثاني من ملحمته “فاوست”.
كان الرسام والنحّات الإيطالي “مايكل أنجلو” يحثّ الخطا إلى مرسمه في ختام حياته، رغم الثلوج التي كانت تغطّي شوارع المدينة..
في آخر سنوات حياته، كان الفيلسوف والكاتب الانكليزي الساخر “برتراند راسل” متوثّباً بالحياة، والقوى الجسدية والعقلية، وقد نعته إحدى الصحف بقولها:
“مات بالأمسِ شابٌ انكليزي، شارف على الثامنة والتسعين من عمره”..