الثورة _ لميس علي:
يمكن لتقنية تحليل لغة مواقع التواصل الاجتماعي التنبؤ ببعض الحالات المَرضية (النفسية).
في دراسة نُشرت العام الماضي يذكر الأستاذ والخبير في أخلاقيات الطبّ النفسي بجامعة كولومبيا (بول أبلباوم): أنه بات سراً معروفاً أن الأطباء في غرف الطوارئ النفسية سيبحثون عن المرضى على الإنترنت إن ساورتهم شكوك بشأن احتمالية إيذاء أنفسهم أو الآخرين… ولا تحتاج هذه العملية من المتخصصين سوى تعقّب المرضى مرة واحدة على فيسبوك، ولا تتطلب تحليلاً لغوياً معمّقاً.
وبالتالي، تكشف منشوراتنا على فيسبوك مدى صحتنا العقلية والنفسية..
الأمر بهذه الجدّية.. وربما بهذه الخطورة.
«ما الذي يدور في ذهنك الآن..؟»
السؤال الاستفتاحي الذي يستقبل به فيسبوك مستخدميه..
من دون أن نتنبّه أنه السؤال نفسه الذي يطرحه الأطباء والمعالجون النفسيون على زائريهم.
إحدى الدراسات استخلصت أن الأشخاص الذين يتّصفون بالانفتاح ينشرون عن الأنشطة الاجتماعية والحياة اليومية خاصتهم.. أما الأقل ثقة ينشرون عن الشريك العاطفي.. ومن يشعرون بالخوف والقلق يلجؤون إلى فيسبوك لجذب الانتباه إلى أنفسهم.. بينما من يروجون لإنجازاتهم ويتغنّون بنظامهم الغذائي أو ممارستهم الرياضية فهؤلاء ذوو ميول نرجسية..
والسؤال: مهما كانت خلفية أو نوعية المنشور أليس وسيلةً للفت الانتباه قبل أي شيء آخر..؟
أليست منشوراتنا طريقة لتصدير أنفسنا بالكيفية والهيئة التي نحبّ..؟
وبعيداً عن أجواء الدراسات التي تستقصي شريحة مهيأة لأمراض نفسية خطيرة، بالعموم تبدو وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن مرايا نرغب من خلالها بعكس صورتنا ورؤيتها بعيون الآخرين.
والأمر يتعدّى ذلك لأنه يتضمن التحكم بهذه الصورة وإدارتها وفق رغبتنا ومشيئتنا.
فنقوم بزخرفتها.. وإخراجها وفق نسخٍ «منمّقة» من ذواتنا.
فيض التنميق والزخرفة هو السائد على مواقع التواصل، لاسيما -الفيسبوك -والذي يبدو معياراً أكثر من مناسب لقياس أمزجة مستخدميه.
على سبيل المثال، تلاحظ فرقاً ما بين متابعي المنشورات ومتابعي خاصية (الستوري).
بالحالة الأولى ليس لك خيار بوجودها على صفحتك، بينما في الحالة الثانية، أي خاصية (الستوري) أنت مخيّر تماماً برؤيتها أو عدم رؤيتها.
أمام هذه «اللعبة» الافتراضية، هل ينكشف مقدار «فضول»، أو «حشرية» البعض.. لاسيما تلك الفئة التي تمرّ من دون ترك أي ردة فعل.. ردة فعلهم الوحيدة هي الحضور «الصامت»..؟
وهل ينقلب، أي حضورهم، اهتماماً في حال أرسلوا (إيموجي) أو تعليقاً.
ويبقى الأهم.. هل فعلاً هؤلاء حاضرون ولو افتراضياً..؟؟
كل ما يفعله الفيسبوك وأشباهه الافتراضيون، أنهم يجعلوننا نتقن، بمهارة لاواعية، لعبة التخفّي والظهور.