الثورة- رنا بدري سلوم:
“الموسيقا تعطي روحاً للكون، أجنحة للعقل، طيراناً للمخيّلة وحياة لكل شيء” لطالما تغنّت صفحاتنا الثقافية بالموسيقا وما قالوه عنها، لطالما تصدّرت آلاتها المتنوعة بروشورات فنيّة وبطاقات دعوى، لكن ثمة مكاناً مظلماً، نادراً ما تطرّق أحد له، أو بالأحرى ما يعانيه موسيّقيوه من “أمزجة” جعلت الموسيقي يعيش فوضى عارمة، وأوقفت حرّاس البوابة على النوتات الموسيقيّة حتى سمعنا موسيقا زمنها على مقاس مصالحهم المشتركة!.
قد لا يروق حديثي للبعض، لكن الكثير من الموسيقيين المهمّشين ينتظرون العنان لأن يفردوا نوتاتهم التي لم تلوثها الشهادات المبتزلة والمشتراة، بل بقوا على سليقتهم يعزفون للخير والمحبة والسلام، وإن كان الضوء لا يطالهم وإن كان السجاد الأحمر في دار الأوبرا لم تطأها أقدامهم الحالمة بها، بقوا يعزفون وحيدين بأرواحهم لا بآلاتهم المتواضعة، والتي تعيش معهم كنفس راضية في زمنِ الفوضى الخلاقة التي تعيشها الموسيقا.
“الثورة” التقت واحداً منهم، الموسيقي الأكثر شغباً وربما ظهوراً، حاول أن يوسّع لنفسه مساحة الضوء، ملحناً وموزعاً موسيقياً، وقد أفلح في إسقاط موهبته على ما يدور حوله من أحداث، وكأنه يلتقط النورمن فم النهار، الموسيقي أحمد رحيم، زار صحيفة الثورة متأبطاً شؤون وشجون الموسيقا.. فكان لنا معه الحوار التالي:
بدأ رحيم بجملة أفلاطون الشهيرة “إذا أردت أن تعرف شعباً، تعرّف على موسيقاه”، وعاد بنا إلى مراحل تاريخيّة في تميّز الموسيقا العربيّة وخاصة السوريّة، والتي فرضت نفسها على المستوى الدولي والعالمي، طارحاً قضايا موسيقية عدة ومنها شروط نقابة الفنّانين في تحديد عمر للانضمام إليها، وشهادة أكاديميّة، وهنا يبين رحيم أن الفنان لا يقيّم بهذه الشروط، ذاكراً الملحن اللبناني فيلمون وهبي كيف لحن أغاني العظيمة فيروز وهو لا يملك شهاده دراسية، هناك استثناء لكل قاعدة، ولتكن القاعدة هي الموهبة أولاً… فالفنان المبدع – والقول لرحيم – “كلّما تقدم بالعمر زاد مخزونه الفكري والفني وخبرته بعالم الموسيقا ” متمنياً إعادة النظر بذلك الشرط.
حال الموسيقيين اليوم
يعيشون بعيداً عن الأضواء، مرهقين نفسياً ومعنوياً، حزنهم قد حاوطهم، يعملون بالمجان أمام غلاء المعيشة ودخل لا يتناسب مع الواقع، يرغمون على العمل الفنّي لقاء أقل من ربع ما يستحق لكي يعيشون، فلا يمكن لوردة أن تزهر دون رعاية وتربة خصبة وتروية، وفقاً لرحيم قائلاً: نتقاضى كموسيقيين أجراً يتناسب لعام ٢٠٠٠ وليس لعصرنا هذا، إنه أمرٌ غير مقبول ولا يشجع على الإبداع والتميز.
يعمل الموسيقي أحمد رحيم قائداً لفرقة “وايت بيوتي”، يتقاضى كل عضو من الفرقة الموسيقية مبلغاً بخساً مقارنة بغير أعمال- وبحسب رحيم- “أقدّم مبلغاً من جيبي الخاص لاستكمل أجرة الفرقة، ومهما فعلت يبقى المبلغ لكل موسيقي مجحفاً بحقه”.
وأشار رحيم إلى البدل الممنوح كأجر الموسيقي للحفل، والذي لا يكفي أجرة مواصلات لحضور خمس بروفات ذهاباً وإياباً، فيقف الموسيقي مصدوماً أمام المبلغ الرمزي الذي يتقاضاه، والذي لا يشكل انصافاً، مبيناً أنّ كل موسيقي قد اجتهد على نفسه وتعلّم قد حرم نفسه الكثير الكثير ليكون موسيقياً بارعاً.
دار الأوبرا حلم النجوم
مرتبطة الذّاكرة البصريّة عند رحيم حين يذكر أمامه دار الأوبرا مع جملة “عدم الموافقة “، دار الأوبرا هي المقام الأعلى والذي يطمح إليه كل موسيقي للصعود على منبره، لما يحمله من رمزيّة سورية وطنية، ومع ذلك وضعت الإدارات السابقة في النظام السابق معوقات عديدة يراها الكثير من الموسيقيين أنها وضعت خدمة لمصالح خاصة وعلاقات عامة، وسوف لن ندخل في خضم الأسباب بقدر ما نريد أن نغير النتائج في ظلّ الانفتاح الفكري وما تعيشه سوريا الحرّة البناءة، فمن ضمن شروط القبول لاعتلاء الموسيقي دار الأوبرا حصوله على شهادة من المعهد العالي للموسيقا، فهناك موسيقيون ليسوا خريجين -والقول لرحيم- “ومع ذلك هم من أهم العازفين وقد رافقوا نجوماً في الوطن العربي، علماً بأن هناك حفلات في الدّار لم يطبق عليها الشروط!، وهو ما صار معي كمؤلف وموزع موسيقي ولدي مؤلفات موسيقية وغنائية وشارات مسلسلات وموسيقا تصويرية”.
تفاصيل فنية
يقودنا المايسترو رحيم إلى عالمه الساحر بمقاماته المتعددة، فيتغنى بشمولية الموسيقا العربية مقارنة بالأجنبية، فالمقامات الغربية هي أربع، “عجم، نهوند، حجاز، كرد” بينما المقامات الشرقية، “عجم، نهوند، حجاز، كرد، رست، بيات، صبا، سيكا”.. أي هناك بالشرقي أربعة مقامات إضافية غير متاحة عند الغرب ولا يمكن عزفها من خلالهم، بسبب دوزان مختلف، ملخصاً لنا إحصاء المقامات الأساسيّة.
الموسيقا- وكما قال “محيط ونحن نخرج منه بالكأس”، مهما تقدّم الموسيقي بالعلم والعمر يبقى عاجزاً عن ختم وإدراك الموسيقا.
بطاقة تعريفية
أحمد رحيم عازف بيانو ومؤلف وموزع موسيقي من دمشق، مؤسس ومايسترو فرقة “وايت بيوتي” قدم العديد من الحفلات لأعماله الخاصة ولأعمال الزمن الجميل، والأعمال الغنائية والموسيقية، وهو مدير استديو ساوند بلاس للإنتاج والتوزيع الفني، كان له العديد من المشاركات على المسارح السورية، أول حفل لفرقته كان عام ١٩٩٩، كانت على مسرح مركز الثقافي العربي كفرسوسة، وقصر العظم بدمشق، كانت له مشاركات خارج سوريا خاصة في لندن، أستراليا، تركيا، ميلانو.
له عدة تجارب في عالم الدراما والموسيقا التصويريّة في السينما، على سبيل الذكر تكريم الفيلم بجائزتين قبل أيام، من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وإخراج كوثر معراوي، والعديد من الأفلام إخراج نبيل المالح، من أهم أهداف الموسيقي رحيم، كما قال: إعادة توزيع أعمال غنائية وموسيقية وتطويرها من الزمن الجميل ووضع بصمته الخاصة، منها “لما بدا يتثنى- حب إيه لكوكب الشرق أم كلثوم- يا مسافر وحدك للكبير عبد الوهاب، وتوزيع موطني برؤية خاصة، وحلوة يا بلدي، والعديد من الأغاني والأعمال الموسيقية، إضافة إلى تلحين العديد من أغاني الأطفال التعليميّة الهادفة للطفل، أيضاً تأليف موسيقي لمعالم سوريا وتراثها المادي المسجد الأموي، التكيّة السليمانيّة وعمل موسيقي لبلدنا بعنوان رحلة إلى الشّرق، وآخر أعماله منذ أيام، دمشق.. من كلمات معالي وزير الثقافة السوري، وتأليف وتوزيع الموسيقي أحمد رحيم، الذي بدأ مع بلده أول مراحل الحريّة بأغنية لحنها ووزعها بعنوان “إيد بإيد” غنتها فرقة رباعية دمشق، أهداها إلى سوريا الحرّة التي تفتح آفاقها للدعاء والرجاء والغناء.