الثورة _ أديب مخزوم:
تطرح الفنانة نجلاء دالاتي، في لوحاتها، جمالية التفاعل مع إيقاعات العمارة القديمة (وخاصة في حلب ) المعرضة لمخاطر الاندثار والزوال، فأعمالها بقياسات مختلفة مستوحاة من علاقتها المباشرة وغير المباشرة مع البقية الباقية من جمالية آثار المدينة ، أرادت من خلالها توجيه تحية إلى الجمالية الهندسية المترسخة في البنى المعمارية القديمة، الباقية في مشاهدات القناطر والأقواس والأزقة والأحياء والجدران وغيرها من معالم المدينة القديمة.
الأشكال المعمارية
هكذا تظهر تنويعات الأشكال المعمارية كمساحات لونية فيها إضاءات قوية، وتبحث عن تشكيلات هندسية ناتجة عن معالجة التكوين المعماري، ولوحاتها تحتاج إلى مزيد من الصبر والوقت والجلد، كونها تتقيد بالتفاصيل وبصورية الشكل، إلا أنها في النهاية تخرجه من أفقية الامتداد الواقعي التسجيلي، لأننا نشعر بمناخ تشكيلي ولوني وضوئي خاص بها . ففي معظم لوحاتها نجد ملامح من مؤشرات التفاعل مع هذا الحلم الشرقي، الذي لا يزال رغم كل الغربة التي نعيشها حياً في نفوسنا وذاكرتنا .. وهي على الصعيد التشكيلي تنحاز نحو الأسلوب الواقعي في معظم لوحاتها، وهذا لايمنعها من توليف بعض عناصرها بطريقة بانورامية رمزية، كما تركز في ثلاث لوحات وربما أكثر لرسم طائر الفينيق فوق الأوابد الحضارية والأسواق والحارات والقباب، التي تعرضت للخراب والدمار خلال سنوات الحرب، مؤكدة أنها قادرة على الانبعاث كطائر الفينيق من تحت الرماد.
وهذا يعني أنها تبدو أكثر اتجاهاً نحو البحث عن إيقاعات جمالية حديثة ( حتى في المشهد الواقعي ) وتنحو إلى هندسة تشكيلية بارزة تصل بالمشهد المعماري إلى انفلاتات خيالية أحياناً، مفتوحة على جمالية عصرية لتنويعات الأقواس المتداخلة في عمارة حلب القديمة.
ملامح
وهذا الانتماء إلى ملامح المناخ المعماري القديم، يحتفظ بروح التراث المحلي رغم ذلك الكسر الذي يبعد المشهد عن المرجع الواقعي التسجيلي وخاصة في لوحاتها التي تعتاد فيها على أسلوب القطع البانورامي، والمهم بالنسبة إليها أنها تستعيد إشارات المشهد المعماري المحلي بالارتداد إلى بحثها التقني، لتخرجه من حيز صمته ولتجدده أو تستنطقه من خلال بحثها التشكيلي والتقني.
وفي معظم لوحاتها بقيت أحلام مدينة حلب القديمة مترسخة في ذاكرتها وظاهرة في لوحاتها، كونها تنتمي إلى مدينة تاريخية عريقة، موغلة في القدم، حتى يكتمل مشهد عشقها المتجدد للمدينة القديمة الباقية في القلب والوجدان كبصمة لاتغيب.
ولوحاتها لا تعكس فقط رغبات التأصيل والتحديث وإنما الرغبة باستعادة الحكايات الحميمية لعوالم الحلم المعماري الشرقي الحي والمترسخ في الذاكرة.. ولهذا استعادت ملامح كثيرة من مؤشرات التفاعل مع هذا الحلم المستمر في مشاهدات القناطر والأقواس والقباب، لإعادة الاعتبار للأنماط والاتجاهات التي أعطت للعمارة القديمة المحلية طابعها الخاص والمميز.
على هذه الخلفية التراثية تبلورت أفكارها وهواجسها واختباراتها، في محيط أصبح يعيش على وتيرة وتوجهات البرمجة المسبقة المحفوظة في ذاكرة العقول الإلكترونية.