الثورة – سيرين المصطفى :
في مكبات النفايات المنتشرة على أطراف مدن وبلدات محافظة إدلب وريفها، تتكرر يومياً مشاهد مأساوية لأطفال صغار يفتشون بأيديهم العارية بين أكوام القمامة، لا يبحثون عن طعام أو لعب، بل عن قطع بلاستيكية، معادن، أو أقمشة بالية، يأملون في بيعها مقابل بضع ليرات تسد رمق الجوع، أو تؤمن الخبز لعائلاتهم التي أنهكتها الحرب والنزوح.
قصص تُروى من عمق المكبّات
تتنوع الأسباب التي تجعل الأطفال يعملون في مثل هذه المهنة، لكن جميعها تندرج تحت إطار الفقر، فعمار طفل في العاشرة من عمره، يعيش مع والدته في مخيم شمال كللي بعد مقتل والده في قصف سابق. يرتدي ثياباً ممزقة ويخرج كل صباح حاملاً كيساً بلاستيكياً، يتنقل بين حاويات القمامة في الحي. “أجمع النايلون والمعادن وأبيعها. أحياناً نجد حذاء مكسورا أو بطانية ممزقة نأخذها للبيت”، يقول طارق بنبرة خافتة فيها من الطفولة بقدر ما فيها من التعب.
أما جميلة (11 عاماً)، فتقضي يومها وهي تتنقل بين الحاويات بحثاً عن شيء يُمكن الاستفادة منه، تصحب إخوتها الأربعة، يفتشون جميعاً عن أي شيء قابل للبيع. “لم نعد نذهب إلى المدرسة. نحتاج للمال كي نأكل”، تشرح الطفلة بواقعية تفوق عمرها.
المخاطر الصحية والنفسية
يواجه الأطفال العاملون في جمع النفايات تهديدات يومية لحياتهم وصحتهم، بين أكوام النفايات تختبئ قناني مكسورة، أدوات حادة، ومواد سامة تسبب التهابات جلدية مزمنة وأمراضا تنفسية. كثير من هؤلاء يعانون من الربو، اللشمانيا، والحساسية.
وتقول إحدى الأمهات في مخيم قاح: “ذات مرة أُصيب ابني بجروح في يده من زجاج مكسور، مما دفعني لأن أوقفه عن النبش في القمامة، واحتاج أدوية ومعقمات حتى شُفيت يده”، وإلى جانب ذلك، يعيش هؤلاء الأطفال تحت ضغط نفسي هائل. فحرمانهم من التعليم، وشعورهم بالدونية، وخوفهم من المستقبل، يخلق حالة دائمة من القلق والاكتئاب. تشير منظمات حقوقية إلى ارتفاع نسب اضطرابات ما بعد الصدمة بين الأطفال العاملين في النفايات في شمال سوريا.
الموت بين القمامة
في عام 2020 فقد ثلاثة أطفال حياتهم في حادثة مؤلمة في مكب “الهبّاط” شمال إدلب، بعدما سقطت حمولة شاحنة نفايات عليهم أثناء نبشهم للقمامة. لم تكن هذه المأساة الأولى، لكنها سلطت الضوء على الواقع القاتم الذي يعيشه مئات الأطفال السوريين العاملين في هذا المجال.
رغم وجود مبادرات إغاثية وتعليمية متفرقة، لا تزال الاستجابة لأزمة الأطفال العاملين في مكبات النفايات دون المستوى المطلوب. لا تكفي الحلول المؤقتة أو المساعدات الموسمية أمام واقع يومي يحرم الأطفال من حقوقهم الأساسية، ويعرض حياتهم ومستقبلهم للخطر.
إن عمالة الأطفال في الشمال السوري ليست مجرد أرقام أو مشاهد حزينة، بل جرس إنذار يتطلب تحركاً جاداً ومنسقاً من المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية، وحتى الحكومات المعنية، لضمان بيئة آمنة تحفظ كرامة الأطفال، وتعيد إليهم ما سُلب من طفولتهم.