الثورة- أديب مخزوم:
في لوحات الفنان شادي الديب الأحدث تطل الأشكال المختلفة وغير المألوفة في أعمال الفنانين مع الأسماك والطيور والعناصر التاريخية والحروف والشرائط الملونة وغيرها، وتتداخل مع الأشكال الهندسية (التشكيلات الشطرنجية في الخلفيات والمثلثات والمستطيلات والدوائر والمكعبات والكرات وغيرها) كرموز لأحلام مستعادة أو ليقظة سوريالية حديثة ومعاصرة.
ألوان الطبيعة
ومنذ البداية كانت تثيره ألوان الطبيعة والعناصر المحيطة به، وكان يعكس هذه التأملات في رسوم دفاتره المدرسية، ثم ازداد تعلقه بالفن (حين وجد نفسه بين لوحات كبار الفنانين خلال تواجده في غاليري كامل) ومشاهدته لوحات كبار الفنانين عن قرب، وصولاً إلى مرحلة تأثره بشيخ الفنانين السورياليين سلفادور دالي، برغم أن لوحاته في رموزها وتقنياتها تختلف عن لوحات معلم السوريالية الأول دالي، الذي كان يعود إلى تقنية الرسم الكلاسيكي في خطوات توليف عناصره السوريالية.
والعمل السوريالي الرصين الذي يقدمه شادي، برغم عفوية وكثافة ألوان خلفيات بعض لوحاته، هو منطلق الأداء التصويري، هو الحركة التصاعدية التي تناغم بين اللمسة الرصينة والأخرى، هو المؤشر للعلاقة الحميمية بالمشاهد المرسومة، التي يعمل من خلالها لاستعادة عناصره، التي تتجسد في ريشته كقصيدة حب لأجواء الماضي والحاضر معاً.
وهو ينطلق في صياغات عوالمه، ليقيم نوعاً من التوازن بين العقلانية الصارمة والعاطفية الهادئة التي نجدها في عفوية اللون، ولاسيما في بعض الخلفيات، واللون عنده يجمع بين الشفافية والكثافة، في خطوات إيجاد رابط متماسك بين الصياغة التلوينية والأداء التكويني الذي يظهر التجسيم والبعد الثالث، ويضفي تناغماً إيقاعياً بين العناصر المتجاورة والمتداخلة، التي يستعرض من خلالها العناصر الخارجية للأشكال، بحيث تقترب أعماله من روح التأليف الفني، وبذلك فلوحاته تؤكد ملامح إسقاط الذات على الموضوع، وتبرز مشاعر الإحساس باللون والبعد الثالث على سطح اللوحة ذي البعدين.
ولوحاته تساهم في تقريب الفن التشكيلي من الناس، لأن عناصرها واضحة ومفهومة رغم توليفها السوريالي، ولأن الصياغة الواقعية في كل مقطع من اللوحة، تجسد سمات العودة إلى الأصل.
وإذا نظرنا إلى أشكاله وعناصره المجسدة في الأبعاد الثلاثة، نجدها تتجه في أحيان كثيرة لإطلاق الخيال، ولاسيما حين يضيف إلى مشاهده، الرؤى السوريالية.
أشكال الواقع
هكذا يطرح أمام المشاهد جمالية الأسلوب الذي يعطي مشاهده بعداً خيالياً، ويتجه في لوحاته في أحيان كثيرة نحو إطلاق إيقاعات الغرابة، ويقوم بترويض وتكييف وتوليف أشكال الواقع، متبعاً تجليات ابتكار تداعيات الحركة الواقعية والخيالية في آن واحد، وهذا التداخل نجده في أعماله السوريالية حصراً.
لذا يتجه نظرنا للإحساس بأسلوبية خاصة على الصعيدين التكويني والتلويني، برغم أن عمله الفني يفسح المجال لرؤية اللوحة منفذة بحساسيات لونية مختلفة ومتفاوتة.
وأعماله تبدو أكثر ميلاً نحو التجسيد الذي يعتمد طريقة إظهار البعد الثالث، برؤية بصرية تتدرج فيها الإضاءة داخل الأشكال الواقعية، إضافة إلى تقديمه ملامس لونية ناعمة في تجسيد الأشكال وتظليلها وإبراز رصانة الرسم في معالجة التفاصيل التي تحتاج إلى جلد وصبر ووقت طويل.
ولقد أظهر شادي الديب قدرة لافتة في صياغة التفاصيل الصغيرة والدقيقة، التي أحبها، لجهة التعمق بصياغة تشكيلات رصينة وعقلانية نراها ضمن تمثيلات فيها أشكال هندسية وعناصر من الواقع، بكل التحديدات والتفاصيل أي بصورة بعيدة كل البعد عن منهج التبسيط والاختصار والاختزال.
الرسم الخيالي
وهذا الانفتاح على الأشكال الغرائبية، هو الذي جعله يذهب إلى تخييل شكلي، يصل بالحركة البصرية إلى رؤى غرائبية تتهافت على سطح اللوحة بحركة بصرية دائمة ومتواصلة.
ولوحات شادي الديب تشكل مدخلاً لاستشفاف جوهر الرسم الخيالي، الأكثر غموضاً وغرابة في رموزه وعلاماته ودلالاته في خطوات البحث عن إيقاعات تشكيلية جديدة فرضتها وبشكل غير مباشر، أحلامه وتخيلاته، وما ترسخ في وجدانه من حكايات وقصص خيالية وأسطورية.
وهو يطرح في النهاية الكثير من الإشارات والدلالات القادمة من واقعنا الحياتي الراهن المثقل بالفواجع في أزمنة الحروب والويلات المتواصلة دون نهاية. فالرؤى السوريالية المترسبة في أعماق الذاكرة اللاواعية، ما هي في النهاية إلا صدى لما يدور في مسرح الحياة اليومية.
هكذا جنح في لوحاته الأحدث نحو إيقاعات الغرابة، وقام بتوليف وترويض وتكييف أشكال الواقع، متبعاً تجليات ابتكار تداعيات الحركة الداخلية، والكشف عما يمكن أن يجري في الأحلام أو في معطيات الذاكرة اللاواعية، وهذا يعني أن مخيلته غنية بالرموز والرؤى الخيالية، التي يريد التعبيرعنها بكامل مساحة اللوحة، لتعميق إحساسه برؤى الأحلام السوريالية، المعبرة في النهاية عن تناقضات الواقع، ومسرح الحياة اليومية.