خمسة ملايين زبون.. هو رقم مجزٍ في حسابات الجدوى المحفزة للاستثمار، هكذا هو الأمر من وجهة النظر الاقتصادية، وإفلات مثل هذا العدد من الزبائن هو إضاعة لخمسة ملايين فرصة.
لدى وزارة التربية خمسة ملايين تلميذ، هم أبناؤها لجهة دورها ومسؤولياتها، ويمكن أن يكونوا زبائن حصريين لها فيما لو أرادت ليس “استثمارهم” بل حمايتهم من براثن منظومة تجارية هائلة يسيل لعاب لاعبيها سنوياً على أرباح بدسمٍ عالٍ.
الكتلة المالية المتداولة في سوق مستلزمات المدارس تبدو هائلة جداً، ومن جهة أخرى هي عبء ثقيل على الطلاب وذويهم، لذا يصح وصف مواسم افتتاح المدارس ب ” مواسم الشكوى”، وهذه حقيقة تتكرر سنوياً، لم تفلح تدخلات أذرع “التدخل الإيجابي” في تغييرها إلا بشكل طفيف.
لم نجد جواباً مقنعاً على تساؤل طالما كان ملحاً، وهو لماذا لا تكون وزارة التربية هي المستثمر أو المستثمر الشريك في سلسلة صناعات بسيطة وغير معقدة، لإنتاج مستلزمات أبنائها -طلابها- من الألبسة المدرسية إلى الحقائب والدفاتر والأقلام وغيرها من أدوات القرطاسية، صناعات بسيطة عجزنا عن توطينها، واسترخينا أمام مشاهد تدفقاتها المستوردة من مختلف بلدان الدنيا!!.
أين المشكلة وما هو العائق الذي يحول دون الاستثمار في صناعة مستلزمات الطالب هنا في سورية.. هل لأن التجارة أسهل وأكثر ربحاً؟؟
لدينا ممتلكات ممتدة أفقياً على نطاق واسع، ومنشآت معطلة خارج الخدمة تعود ملكيتها للحكومة بغض النظر عن الوزارة صاحبة الاختصاص، ومعظمها تعود لوزارة الصناعة كمنشآت كانت تعمل وتوقفت منذ عقود طويلة.
هذه المنشآت وهي رؤوس أموال ثابتة كبيرة الحجم ومرتفعة القيمة، يمكن أن تكون عبارة عن مشاغل أو معامل لتصنيع كل ما يخص الطالب، تؤول ملكيتها بقرار لوزارة التربية، ثم تأتي الأخيرة بمستثمرين لتشغيلها وفق صيغ استثمار مشترك.. أو تقوم وزارة الصناعة نفسها بتشغيلها، واستقدام خطوط إنتاج ومواد أولية وحتى الخبرة، رغم أنها ليست بالصناعات التي تحتاج تكنولوجيا عالية.
يمكن أن تبدأ الوزارة مباشرة بالألبسة المدرسية ولديها شركات جاهزة، لكن شريطة أن تحسّن من مهارات عمالها وعاملاتها ليخرجوا بمنتج جاذب ومنافس.
ثم صناعة الدفاتر والأقلام – كان لدى الوزارة منشأة متخصصة بإنتاج أقلام الرصاص وتوقفت منذ عقود – وسلسلة صناعات بسيطة لم يعد لائقاً أن نتركها لاستنفاع المستوردين، ونترك طلابنا وذويهم ضحايا تقليديين لسلسلة حلقات تجارية لا ترحم.
الكرة في ملعب وزارة التربية فهي المعني بحماية “أولادها” قبل أي جهة أخرى، وحتى قبل الأهالي.
نهى علي