الثورة – هفاف ميهوب:
إذا أردت أن تسأل عن رسول الشّعر في بلدٍ ما، فاسأل رسول الشّعر في بلدك، وإن أُعجبت بما سيقوله لك عن هذا الـ “رسول”، فلأنك تثق برأيه، وبقصائده الناطقة بصوتك ولأجلك..
أمّا عمن سألنا، فعن “رسول حمزاتوف”. شاعر “داغستان” الذي عُرِّف وعَرَّف ببلده، وأمّا من سألناه، فالشّاعر والمترجّم الدكتور “أيمن أبو الشعر” الذي قال عنه، وعن علاقته به، وبداية معرفته:
“كانت بداية معرفتي بـ “رسول حمزاتوف” في مبنى اتّحاد الكتاب السوفييت، عندما بدأت بإعداد وترجمة “أنطولوجيا الشعر السوفييتي”، وسرعان ما تلاحقت اللقاءات والسهرات المشتركة آنذاك، إلى درجة أنه كان يعاتبني، إن مرّ وقتٌ طويل لم نلتق خلاله..
كان “رسول” نجماً عالمياً، تُرجمت قصائده إلى عشرات اللغات، ولكنه كان بالنسبة لي، الصديق الشاعر الكهل، الذي لم يفقد طفولته ومرحه وتفاؤله بالحياة، التي كانت كلّها عشيقته”..
بيدَ أن “حمزاتوف” لم يعشق هذه الحياة، إلا لأنه رآها مجسّدة ببلده. “داغستان” التي سكنته كحبيبةٍ، أنّى ارتحل ينطق بها وينبض باسمها، وقد أحبّ وترجم د. “أبو الشعر” قصيدة “رسول” عنها، ومنها:
“إن كانَ هناك مئةُ من الرجالْ
مأسورين بحبِكِ والدماءُ لظى خجولْ
سيلوح بينهم رجلُ الجبالْ
جامحاً يُدعى رسولْ
إن كانَ هناك عشرةٌ من الرجالْ
بصدق يعشقونكْ
دون أن يخفوا اللهيبْ
سيُطلُّ مبتهجاً حزيناً بينهم
رسول حمزاتوف”
نعم، لقد أحبّ د. “أبو الشعر” قصائد “رسول”، وليس فقط لأنه كان نديم سهراته، والصديق القريب من قلبه، بل ولأنه كان إنساناً وفيّاً وأصيلاً في كلماته وعلاقاته. “رائعٌ عملاق، بطيبته وإبداعه وتواضعه”..
لأنه كان أيضاً، مرحٌ وصاحب نكتة، وكان يتّضح هذا في سهراته التي قال “أبو الشعر” عن إحداها:
“قلت له ذات مرة: يذكّرني شكلك. الجسم والوجه، بـ “ألفريد هيتشكوك”، فضحك وقال: “صحيح.. إنه توءمي الشّرير، فأنا أجسّد الحبّ وهو الرعب”.
كلّ ذلك، جعل د. “أبو الشعر” يفي بوعده له، ويؤلف عنه، “حمزاتوف” بين جبال داغستان وقاسيون”.. الكتاب الذي صدر حديثاً عن “الهيئة العامة السورية للكتاب”، والذي ضمّنه: ما رآه من خصالٍ حميدة لدى هذا الشاعر العالمي، وطبيعته العفوية الجبلية، مَرَحُه وسرعة بديهته، وكذلك تواضعه وشهامته، إضافة إلى ما عاناه في مرحلة انهيار الاتحاد السوفييتي، وأيضاً، ما عايشه وسمعه منه، عن ذكرياته والمحاولات التي سعت لتشويه اسمه وثقافته، وهو المعروف بتضامنه مع قضايا الشعب العربي، وبزيارته إلى سورية، وتأثّره بما وجده فيها، من عمقٍ وجداني وإنساني.
إنه وفاءُ رُسلِ الشّعر والإنسانية والحياة والأوطان.. الوفاء الذي يتجدّد في كلّ لحظةٍ ومناسبة، والذي دفع د. “أبو الشعر” لتكريسِ أمسيته التي ستقام بتاريخ 26 أيلول، في ثقافي “أبو رمانة” بدمشق، للذكرى المئوية لولادة “حمزاتوف”.. الأمسية التي سيتناول فيها، بساطته الموحية التي تدخل في باب السهل الممتنع، وحكمته البليغة رغم تواربها بين كلماته:
“هناك العديدُ من النجوم- وقمرٌ واحد
وهناك أراضٍ عديدةٌ – وبلدٌ واحد
وما نُسميهِ الوطن
هو وطنٌ مدى الحياة
من جديد يدُاهِمُنا القلقُ أو الحرب
أو تشربُ من قرنِ الوعلِ حتى آخرِ قطرة
تذكَّر يا صديقي كُرمى لله
أن النساءَ كثيراتٌ- لكن الأم واحدة..”..