الثورة – إعداد ياسر حمزه:
على مدى عدة سنوات أجرى عدد كبير من العلماء ومن عدة دول، أبحاثاً معمَّقة حول التطوُّر الذي تشهده عملية القراءة في عصر الرقمنة، وركّزوا أبحاثهم حول تأثير الوسيلة المستخدمة في القراءة على قدرة الشخص على التعمُّق فيه، والاندماج مع محتواه، واختلافات عادات القراءة بين الصغار والكبار.
ورأى هؤلاء العلماء أنَّ ثمة ميِّزات عديدة عند القراءة من الشاشة، مثل السعة الكبيرة للأجهزة، ما يتيح وجود كثير من الكتب في حيِّز صغير، ودون وزن ثقيل، وسهولة الحصول عليها في كل وقت وفي كل مكان، مع إمكانية تحديد حجم الخط، والإضاءة الخلفية للشاشة، ومراعاة الميول الفردية لكل قارئ، علاوة على سهولة البحث في النصوص عن مفردات أو موضوعات معيَّنة، وكذلك الانتقال من النص إلى نص آخر للشرح أو المقارنة أو التعليق. لكنَّ الفريق البحثي أشار إلى عيوب القراءة الإلكترونية أيضاً، حيث أثبتت الأبحاث أن النصوص الطويلة تكون أصعب على الشاشة، كما أن التعمُّق وتذكر ما قرأه الشخص، يكون في حالة الكتب الورقية أسهل بكثير من الكتب الإلكترونية؛ لأنَّ القراءة في الكتاب الورقي ترتبط في الذهن بمواضع معيَّنة في الصفحة الورقية، كما ينشأ شعور بالتفاعل مع النص الملموس في الورق، على عكس النص الظاهر على الشاشة.
وأن الشاشة تحرم الإنسان من الشعور “ببر الأمان”، أي بالقدرة على الاستقرار على موضوع محدَّد، والبقاء فيه لبعض الوقت، وهو ما تلمسه في سلوكيات الأطفال والشباب. فلاحظت أن الشباب دائم التنقّل بين الكتاب الإلكتروني وبين مواقع واتساب، والموسيقا وفقرات الفيديو في يوتيوب، وجدول المواعيد على الفيسبوك، وأصبحت النصوص المجهَّزة للاستخدام الإلكتروني تراعي قلَّة التركيز عند المستخدمين، فتصاغ بصورة مختصرة وغير متعمّقة.
وأن القراءة لها تأثيرات على تحفيز الخيال وتنمية الشعور بالآخرين ومصائرهم، والارتقاء بالقدرة على التركيز، والانضباط، وزيادة الحصيلة اللغوية، وتنمية القدرة على التفكير النظري، وهي قدرات لا يقوم بها الكتاب الإلكتروني بالمستوى الذي يقوم به الكتاب الورقي، لأن عوامل الإلهاء عن القراءة في الكمبيوتر اللوحي والهاتف الذكي أكبر بكثير من الكتاب الورقي.
وتوصَّلت دراسة نرويجية أجريت على تلاميذ تتراوح أعمارهم بين 15 و 16 عاماً، إلى أن مَنْ يستخدم منهم الكتب الورقية يكون أقدر على الإجابة عن الأسئلة حول المعلومات الواردة فيها، مقارنة باستخدام الشاشة لقراءة المعلومات نفسها.
وفي مدرسة ابتدائية نرويجية لا تستخدم أي كتب ورقيَّة، وتعتمد كلياً على الأيباد، قال الأطفال في سن السابعة إنهم يفضِّلون الذهاب إلى مكتبة المدرسة بكتبها الورقيَّة، لأن اختيار الكتاب المناسب يكون أسهل، ولأنهم يفتحون الكتاب مباشرة ويقرؤون، دون حاجة لتشغيل الجهاز، ودون الضغط على أي زر.