الثورة – إعداد ياسر حمزه:
تعددت ألوانه واختلف مذاقه, هناك من يشربه بسكر أو بدونه، وهناك من يشربه بحليب أو بدونه ,بعض الشعوب تضيف إليه النعناع أو الحبق, وبعضها تضيف إليه الفلفل والملح, هو مشروب يومي يُلطف النهار ويدفئ الليل.
حكاية الشاي بدأت مصادفة، وذلك في الألفية الرابعة قبل الميلاد وتحديداً مع أول شخص تذوقه وهو الإمبراطور الصيني شن توانج. إذ يُعدُّ الشاي اكتشافاً ملوكياً ,فالورقة الخضراء أسرت الإمبراطور من أول وقوع لها بالخطأ في الماء المغلي مع أزهار الشاي التي كانت تُستخدم في صبغ الأقمشة فبدلت لونه، سريعاً، من الأبيض إلى الذهبي.
وعندما تذوقه استساغ طعمه، وفي نهاية اليوم اكتشف أن لهذا المشروب تأثيراً سحرياً، حيث مده بالسعادة والنشاط.
ولعل هذا الاكتشاف الصيني حمل معه الاسم أيضاً، إذ إن الشاي مأخوذ من اللغة الصينية، فهو يسمى / شا /.
تاريخ الشاي وفنونه
إذا كان للصينيين الفضل الأول في اكتشاف الشاي، فإن لليابانيين الفضل في أناقة تقديم الشاي الذي يُشرب في أوانٍ خزفية مفرطة الأناقة.
فمع بداية القرن التاسع كان الشاي في اليابان حكراً على الإمبراطور والعائلة المالكة، لكن مع بداية القرن الثاني عشر انتشر تحضير الشاي أو السادو كما في اللغة اليابانية، ودخل المعابد الدينية وتناوله الرهبان ليتمكنوا من اليقظة فترات طويلة يتعبدون خلالها.
زراعة الشاي
عندما عُرف الشاي وفضله انتشرت زراعته التي تتطلب طقساً دافئاً وهواءً رطباً وأمطاراً غزيرة وتربة خصبة خفيفة.
بدأت زراعته من موطنه الأصلي شرقي آسيا كالصين مروراً بالهند وسيرلانكا وأندونيسيا. وتتعدد أنواعه بدءاً من الشاي الأبيض وهو من أندر أنواع الشاي وأغلاها ثمناً، فهو يقدم هدية للأباطرة والملوك، كذلك الشاي الأخضر والأسود.
كما أن شجيرات الشاي لا تبدأ في طرح المحصول إلاّ بعد ثلاث سنوات من زراعته، وتظل خمسين عاماً تطرح المحصول، وربما عمرت بعض شجيرات الشاي إلى ألف سنة.
لعل الشاي الذي نستطعمه يومياً في أوقات مختلفة له من الحكايات الطريفة والغريبة ما يجعل المرء يستلهم من وحيها ثقافة جديدة.
ففي القرن السادس عشر في فرنسا وقفت الكنيسة موقف المعادي من مشروب الشاي، وعدته مفسداً للأخلاق، كذلك كان الحال في بريطانيا.
أما في الصين قديماً فقد كان جمع وريقات الشاي يخضع لشروط غريبة، حيث يجب أن تكون جامعات أوراق الشاي فتيات صغيرات السن، يتعطرن قبل أن يبدأن في الجمع ويرتدين فساتين مزركشة وجديدة، وقفازات جديدة يومياً.
أما في الهند فقد كان للشاي قصة غريبة تبدأ بكان يا ما كان، وهناك ناسك قرر أن لا ينام مدة سبع سنوات للعبادة المتواصلة، وفي السنة الخامسة داهمه النعاس، ولكي يفارقه قرر أن يمضغ وريقات شجرة كانت بجانبه ,وبعدها أحس بالنشاط الذي جعله يستمر لمدة سنتين في اليقظة ,ولقد كانت هذه الشجرة التي بجانبه شجيرة شاي.
بما أن الشاي مصدره هندي، وبما أن الهند كانت من المستعمرات البريطانية في القرن الثامن عشر، وكانت بريطانيا العظمى تسيطر على العالم من الهند إلى أمريكا، فقد فرضت الحكومة البريطانية الضرائب على المستعمرات، واحتكرت بعض السلع لصالح بعض المستعمرات، فمثلاً كان الشاي الذي يباع في أمريكا تحتكره شركة الهند الشرقية البريطانية، فلا يسمح مطلقاً لأي تاجر أن يستورد الشاي إلى أمريكا، ما دعا بعض التجار إلى تهريب الشاي.
ولضرب المهربين أمرت الحكومة البريطانية بإرسال سفن محملة بالشاي ليباع بسعر أقل من سعر السوق السوداء, فقام الوطنيون بالصعود إلى ظهور تلك السفن وإلقاء الشاي في البحر وإحراقه. منعاً من أن يُباع بسعر أقل سعراً من أسعار التجار المستوطنين في أمريكا ما جعل ثورة الشاي تقوم في بوسطن عام 1773م، حيث قاطع المستوطنون الشاي واستعاضوا عنه بالقهوة و الشكولاه في ظل الاحتكار البريطاني.
فكانت تلك الثورة التي سميت «حفلة شاي بوسطن» والتي كانت القشة التي قصمت ظهر المملكة التي لا تغيب عنها الشمس, ما دعاها لسن قوانين إلزامية جديدة، لكن هذه القوانين لم تجد آذاناً مُصغية، بل وجدت تمرداً وعصياناً.
لم يعرف الشاي في الوطن العربي، ولم يذكر في معاجمه إلاّ في القرن العاشر الميلادي، حيث ذكره العالم المسلم أبو الريحان البيروني في كتب رحلاته بأن الصينيين كانوا يشربون شراباً ذهبياً يسمى الشاي.
ولعل أول ظهور له في المغرب العربي، حسب ما تناقله المؤرخون، كان في القرن الثامن عشر، في عهد السلطان عبدالله بن إسماعيل حيث كان يتلقاه هدية من قبل المبعوثين الأوروبيين.
وفي منتصف القرن التاسع عشر انتشر الشاي الأخضر أو ما يسمى بالأتاي في بلاد المغرب العربي.
أما شعوب بقية بلدان الوطن العربي فقد عرفوا الشاي متأخراً كل بحسب جغرافية المكان، فشعب العراق، مثلاً، عرفه من شعب بلاد فارس، ولقد أخذ العراقيون من الفرس اسمه الشاي الذي أسموه «جاي»، واسم القدح الذي يشرب فيه الشاي حيث كان يسمونه «استكانة» أو «بيالة».