أتذكرهم أطفالاً ينتظرون قدوم والدتهم من صحيفة الثورة، ما إن نصعد بضعة أمتار في ” حي الورود” حتى نلتقي غالباً بأولاد فداء ديب، زميلتنا ذات الحضور المليء بالحياة، كانوا يتراكضون حولها فرحين بقدومها إلى المنزل.
لطالما كانت فداء متفانية في منزلها، وفي تعلقها بهم، كأنها كانت تستمد نسغ الحياة من حضورهم، ناسية كل شيء عداهم، لا أدري لماذا توقعت أنهم لازالوا أطفالاً، تركتهم عند أعلى التلة التي تسكنها فداء، يمرحون ويتضاحكون وينتظرون والدتهم.
هذه المرة تبادلوا الأدوار كانت تحكي لزملاء العمل، أنها بانتظار عودة “أوس” من الكلية الحربية في حمص، ليتخرج ابنها البكر ضابطاً كانت فرحتها لا توصف لأنه سيقيم في المنزل (15) يوماً هي إجازته بعد التخرج، وتحتار كيف ستستقبله، وماذا ستطهو له…؟
ياالله هذه المرة كم يبدو اللقاء ثقيلاً، مراً كمذاق العلقم، ها هي فداء ذات الوجه الضاحك أبدًا، تمشي في جنازة ابنها الشهيد، إلى جانب أمهات فجعن بلمح البرق بأولادهنّ، هذه اللحظة لن تعبر ذاكرتنا أبدًا، ستقيم في وجداننا، لا يمكن للفجيعة أن تكون أكبر، بعيون مغمضة، تتلمس العلم الذي غطى جثمان ولدها.
نظراتها، ذهولها، وصراخها الواصل حدود السماء “كسرتني يا أوس” لا تصدق هول الفاجعة، هل حقاً كبر الأطفال وخطفهم موت غادر، وهم يخطون أولى الخطوات نحو الحياة، يا للوجع، أي حياة قاسية كتبت علينا…؟
جميعنا في صحيفة الثورة، نتمزق لمصابها ونحن أيضاً عاجزون عن استيعاب اللحظة، عن فهم هذا الموت المفجع، تجمدنا من هول اللحظة، لقد ضربتنا في صميم أرواحنا.
الغالية فداء…ندرك أن مصابك أليم، فوق احتمالك، عزاؤك الوحيد أنه صعد إلى السماء مع رفاقه الأعزاء، دون أدنى ذنب، سوى أنهم منذورون للحق في وطن احتارت يد الغدر كيف تطعنه.
لا أدري كيف سنلقاها بعد عودتها، وأي كلام يليق بحجم خسارتها الجسيمة، جميعنا بلا استثناء ندرك أنه جرح لا يبرأ، عوضك الله في إخوته…
الله معك يا “أوس قيس نجيمة” أنت ورفاقك، سنراكم في ملكوتكم الأخير ساطعين كالشهب والنجوم لا تنطفئون أبد الدهر.