الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
يُعتبر الدكتور بديع الكسم ظاهرة فلسفية نادرة ليس في سورية وحدها بل في العالم أجمع.. وكم نشعر بأسى عميق لأنَّه لم يُفهم حتى الآن إلا عند قلة من العارفين بصفته فيلسوفاً سورياً استطاع تقديم فكر لا نجد له نظيراً عند الفلاسفة المعاصرين كان ضمن محاضرة عنوانها «حياة وأعمال الدكتور بديع الكسم» شارك فيها الدكتوران فرحان الكسم وعلي إسبر في ثقافي أبي رمانة.
بدايةً أضاء الدكتور فرحان الكسم جوانب من حياة الفيلسوف الحافلة بالعلم والسعي للمعرفة، ثم أوضح الدكتور علي إسبر بأنَّ الفلاسفة ينقسمون إلى تيارات رئيسة: الأول ينهض على محاكاة الفلسفة الغربية المعاصرة، والآخر على تطبيق مناهج غربية أو أجنبية محددة على مشكلات التاريخ العربي الإسلامي، وهناك تيار أخير تأسَّس على إحياء الفكر الفلسفي والكلامي الإسلامي بصوره المختلفة، ولفت بأنَّ الدكتور بديع كان نسيجاً وحده، أو المتوحِّد المنتمي إلى طائفة الغرباء، مختلفاً عن الفلاسفة العرب المعاصرين كافة بل عن الغربيين أيضاً، فكان لاشرقياً ولا غربياً؛ بل كونياً وتتبَّع كونيَّته من نظرية العبقرية إلى حقيقة الوجود فلم يقبل تتبعها عرقاً ولا قوميةً ولا طائفةً ولا إيديولوجية ولا فيلسوفاً من الفلاسفة أياً كان لأنَّها نسيج من جهود النوع الإنساني في مختلف تجلياته بدءاً بإنسان القبائل البدائية في أفريقيا وصولاً إلى الإنسان صانع التكنولوجيا في الغرب الأوروبي والأميركي.
مشيراً بأنَّ بديع كان وطنياً عاشقاً لعروبته إلى أقصى حد غير أنَّه بالمقابل لا يشعر بالتناقض بسبب انتمائه الأصيل إلى حقيقة الوجود، حيث تتلاشى فيها الفروق الجزئية كافة ليتشارك الناس كلهم مصيراً واحداً رغم اختلافاتهم وخلافاتهم في تحديد مصائرهم النهائيَّة.
كما وضَّح الدكتور إسبر بأنَّنا لن نكون قادرين على فهمه ما لم نتعمق بتحربته الفلسفية، المتجلية في كتابه الوحيد «فكرة البرهان في الميتافيزيقا»، مُنوِّهاً بأنه وضع في كتابه تصوراً فلسفياً شمولياً يكتنف حدوسه واستشرافاته واستبصاراته العبقرية فكتابه يعادل آلاف المكتبات الفلسفية، وإنَّ كل عبارة خطَّها تحتاج إلى تدبُّر عميق لأنها مُحصِّلة لتأمُّل فلسفي نادر لا يُقيَّد إلا لأفراد قلائل من النوع الإنساني، واعتبر المحاضر بأنَّ فكر الدكتور الكسم بقي في طيِّ النسيان ولم توجد قابلية حقيقية في الأوساط الأكاديمية الفلسفية العربية لفهمه والاستفادة منه رغم القيمة الكبيرة لما طرحه من أفكار والأسباب: سيادة الفلسفة الماركسية، وقيام اليقينيات الكبرى على المادية الديالكتيكية والتاريخية والاقتصاد السياسي العلمي.
ثم انتقل المحاضر لتفسير موقف الدكتور بديع عندما وضع منهجاً نقدياً مبتكراً أراد منه تفويض منطق البرهان في الفكر الفلسفي الغربي بزمن كان حاسماً في صياغته المعاصرة، وبنى موقفه الفلسفي النقدي ببراعة كبيرة أياً كان نسقه أو نظريته فالقيمة الموضوعية للحقيقة ليست موضعاً لاهتمامه؛ بل ما يجب التركيز عليه لبلوغ الحقيقة، خاتماً حديثه بأنَّ الدكتور الكسم اعتبر الإنسان مُبتكر الحقيقة لكن مهما كانت سويته الفكرية أو موقعه الاجتماعي يجب عليه أن يفهم بأنَّ الحقيقة المبتكرة لا قيمة لها إلا بين حقائق متناقضة معها.
بدوره أشار الدكتور جورج جبور بأنَّ الفيلسوف الكسم لا يستطيع الاستقرار على جملة وكل عبارة لديه تُسبِّب إشكالاتها وتفسيراتها وتطرح شكوكاً دائماً عن حقيقة لا يمكن الوصول إليها.
من جهته الدكتور سليم بركات أكَّد بأنَّ الفيلسوف رغم قلة مؤلفاته لكنه علَّمنا بأنَّ الفلسفة حياة ولم يبقَ فيها سوى النقد ومصطلحات معينة كثيرة في إطار الحياة.
العدد 1162 – 10-10-2023