ما أظن إلا أنه أصبح يحق لي أن أستخدم كلمة أعجمية كعنوان، وأن أستخدمها في السياق دون أن أحبسها داخل قوسين لأنها ليست من العربية، وذلك بعد أن قام مجمع اللغة العربية مؤخراً باعتماد إدراجها في المعجم العربي، وضمّها إلى المفردات المستخدمة كما هي دون تعريبها بإيجاد مقابل لها، ربما لأن هذه الكلمة الأجنبية في أصلها هي الأقدر على التعبير عن مضمونها، ومعناها الدقيق، إذ إنها في أساسها ليست من إبداعنا، ولا من اختراعنا.. والناس من نقّادٍ، ولغويين ينقسمون حول اعتمادها هذا بين مؤيدٍ، ومعارضٍ، والأسباب تختلف، وتتنوع في الرفض، أو القبول.
وكلمة (تريند) هذه التي أثارت زوبعتها حتى أصبحت قصتها بحد ذاتها ترينداً تعود إلى اللغة الإنجليزية وتعني الاتجاه، أو الميل الشائع حيال شيءٍ، أو أمرٍ ما، وما شيوعها بهذه الحِدة إلا بسبب كثافة استخدامها من قِبل وسائل التواصل الاجتماعي، وما تأثيرها في العالم العربي إلا كجزءٍ من التأثير الثقافي العابر للحدود مع توسع ثقافة العولمة.
لقد أثار إدراج كلمة تريند في المعجم العربي جدلاً في الأوساط الثقافية، واللغوية بعد أن اعتبره بعضهم خروجاً عن الأصالة اللغوية، وتهديداً لها بينما يجب تعزيز استخدام الكلمات العربية الأصيلة، والبحث عن مرادفات عربية لتلك الكلمات الأجنبية.. في حين وجده آخرون تطوراً، وتأكيداً على أن اللغة كائن حي ينمو، ويتجدد باستمرار، وما اعتماد كلمات جديدة من اللغات الأخرى سوى مساهمة في ترجمة الظواهر الحديثة بشكل أفضل، وأدق.
إن إدراج كلمة “تريند” في المعجم العربي لا تعكس فقط التطور اللغوي بل أيضاً التغيرات الاجتماعية، والثقافية التي تشهدها مجتمعاتنا، فعالم التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحا جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وتالياً فإن استخدام مصطلحات مثل “تريند” يعكس التطور السريع الذي يحدث في المجال التقني، واعتماد الثقافة الرقمية. ومع ذلك، لابد من أن يتم استخدام مثل هذه الكلمات الأجنبية بحذرٍ، وتوازنٍ بغية الحفاظ على الهوية، كما الثراء، والأصالة اللغوية للعربية، وتشجيع استخدام الكلمات العربية المعتادة، والمألوفة.
فما هي هذه الظاهرة التي فرضت نفسها على حياتنا، وعلى لغتنا؟ وهل السبب في ذلك هو مسار القطيع الذي يتبع فيه الناس بعضهم بعضاً في التقليد؟ بل ما هو هذا التأثير النفسي لها حتى باتت تستلبنا، وتفرض نفسها بالتالي على المجمع العلمي العربي ليقوم باعتمادها؟ في حقيقة الأمر أن (التريندات) هي ظواهر اجتماعية تنشأ نتيجة لتغيرات سريعة في الثقافة، والموضة، والتكنولوجيا، وتأثير التريند ــ أو بتعبير آخر ما هو شائع ــ على الناس يكون واضحاً، وملحوظاً في مختلف جوانب حياتهم، فهي تؤثر على طريقة التفكير، وأسلوب الحياة، والاختيارات، والتفاعلات المجتمعية، فعندما ينتشر تريند جديد، يصبح له تأثير كبير على القيم، والمعتقدات الشخصية والجماعية، ويمكن أن يؤدي إلى تقليل التنوع، والتفرد في التعبير الفردي، حيث يكون الناس أكثر تماشياً مع ما يفرضه التريند بدلاً من التعبير عن أنفسهم بحرية.. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تغيرات في النظرة للعالم، وعلى سبيل المثال قد يؤدي انتشار ترند معين إلى تغيير في المفهوم التقليدي للجمال، وبالتالي قد يؤثر في سلوك الناس، واختياراتهم في مجال الجمال، والموضة.
كذلك فإن التريند يؤثر على نمط السلوك الاستهلاكي فعندما يصبح منتجاً ما، أو خدمة معينة جزءاً من تريند فيقبل عليهما الناس، وربما دون أن يأخذوا في الاعتبار لحاجتهم الفعلية لذلك المنتج، أو تلك الخدمة.
ومع ذلك فإن تأثير التريند على الناس ليس ثابتاً، ولا ينطبق على الجميع بالقدر نفسه.. فهناك أشخاص يتبنون التريندات بسهولة، ويتأثرون بها بشكل كبير، في حين يوجد آخرون يحتفظون بمزاجهم الخاص، وشخصيتهم المستقلة نتيجة المستوى التعليمي، والثقافي، والبيئة التي ينتمون إليها.
لتظل بالتالي هذه الزائرة الدخيلة التي انضمت مؤخراً إلى عائلة الكلمة العربية تتأرجح بين رفض، أو قبول سواء في تعريب
المعنى، أو في ترجمتها إلى ممارسة.