فرضت الظروف العالمية الاستثنائية من حروب و كوارث طبيعية وحظر (نتيجة انتشار وباء كورونا) إيقاعاً جديداً لجهة السياسات الاقتصادية العالمية، وبدلت من ملامح السياسات الإنتاجية المحلية لمختلف الدول من كبرى الدول إلى أصغرها ومن أكثرها أماناً إلى أقلها، فالمتغيرات سريعة وربما مفاجئة مما يستدعي أخذ الحيطة، فما بالكم اذا كان الأمر يتعلق بالغذاء.
الظروف الاستثنائية المحيطة بالعالم قطعت الكثير من سلاسل التوريد مما جعل الإنتاج العالمي أقل بسبب ضعف التوريد ومنعاً للكساد، ومن جهة أخرى وجه الأنظار نحو سياسة الاكتفاء الذاتي وضرورة تطبيقها باعتبارها الملاذ الآمن، ومن هنا سارعت العديد من الدول إلى التفكير بالاحتفاظ بأكبر كمية مما تنتجه من منتجات لاسيما الإنتاج الزراعي وحصنت نفسها بما يسمى بالتصنيع الغذائي لضمان الحفاظ على المنتج لفترة أطول تحسباً لأي طارئ.
وعليه أخذت المشاريع الصغيرة مكانها الصحيح والطبيعي في البلدان المتقدمة للتصدي لقلة الإنتاج التي خلفها تراجع إنتاج المعامل الكبيرة والمشاريع الضخمة، وخففت من حدة تراجع الإنتاجية التي يدفع ثمنها أولاً وأخيراً المستهلك، إلى جانب تراجع عمليات التصدير في أغلب البلدان وحلت مكان التصدير كناتج محلي أو رافد محلي عمليات التصنيع الغذائي، فبدلاً من تصدير منتج خام لاستيراد منتج مصنع تم الاستغناء عن العمليتين تحقيقاً للاكتفاء الذاتي.
وأما محلياً ثمة توجهات نحو مايسمى التصنيع الغذائي من قبل الحكومة وهو ما نادينا به منذ سنوات طويلة وبقي كلاماً، لكن مع جدية الطرح هذه المرة، وحتى لايبقى مجرد شعارات رنانة نطلقها ونطلبها من المزارع والمنتج والمواطن؛ نحتاج لتوجيه الدعم لهؤلاء لنحصل على المادة الأولية لتصنيع الغذاء كل بما يملك من إمكانيات، وعليه هم بدورهم يوجهون الدعم إلى كثير من المعامل محدودة الإنتاج أو المتوقفة وفي مقدمتها معامل الكونسروة والسكر وغيرها والتي تشكل قيمة مضافة واستمرارية للإنتاج الزراعي، وعليه عسى أن تكون التغييرات لعدد كبير من الإدارات في وزارة الصناعة ومؤسساتها خطوة في الاتجاه الصحيح .