الثورة – لميس علي:
هل نستطيع فعل ذلك..؟
بمعنى القدرة على إبصار أنفسنا من وجهة نظر الآخر.. وقراءة ذواتنا من زاوية الرؤية الخاصة به..؟
يتطلب الأمر شجاعةً من نوع مميز وربما استثنائي..
ففيه احتمال أن نكتشف جوانب صادمة ومرعبة.
بالعادة، يصعب علينا ممارسة (الخروج) ولو قليلاً من دائرة الرؤية خاصتنا..
لكن ماذا لو طبّقنا قناعة كل من “فيتغنشتاين” و”مارتن بوبر” في رؤية (الآخر)..؟ وابتعدنا عن رؤيته كجحيم حسب رأي سارتر.. فمارسنا شيئاً من إزاحة ذاك الجحيم ليُبصره كلّ منّا هذه المرّة وفق قناعة “فيتغنشتاين”، في نفسه وليس في نفوس الآخرين..؟
من أجمل توصيفات “مارتن بوبر” لعملية (المونولوج) أنه “ليس مجرد ابتعاد عن الآخر بل هو أيضاً تراجعٌ عن الذات”..
نحن لا نتراجع عن ذواتنا في حواراتنا الداخلية.. بل نصبح أكثر التصاقاً بها.. وفي هذه الجزئية تكمن المشكلة.
يفصّل “بوبر” ويشرح في كتابه (أنا وأنت) كيف يمكن للذات أن تصبح من خلال علاقاتها بالآخرين إما موحّدة وأكثر انسجاماً وتحرّراً أو أكثر انقساماً..
وبالتالي.. كيف لنا امتلاك مهارة التراجع عن الذات..؟
ومتى وجب الالتصاق بها أكثر..؟
وكيف يمكن تحقيق التوازن..؟
تنغلق العلاقات.. تفشل وتصدأ حين يكون “الآخرون” مجرد مرآة تعكس “ذات” الناظر إليها فقط..
على هذا النحو لا نصل إلى علاقات حيوية، ديناميكية، حوارية، حقيقية، تعمل على تقوية الاتصال بالآخر.. بل تجعل الآخرين مرايا عاكسة لما نحبّ..
ويحدث الصدام حين رؤية ما لا نحبّ.. حين تعكس عين الآخر ما لا نتوقعه.. وما لا ندرك حقيقة وجوده.
ثنائية (الأنا- الآخر) ربما كانت من أكثر الثنائيات التي أُثيرت موضوعات حولها.
خليط أفكار بعض الفلاسفة والكتّاب ربما وصل إلى نقطة تمنح حالة توازن بين الطرفين أو حتى توازناً بين وضع التراجع عن الذات ووضع الالتصاق أو الاتحاد بها أكثر.
والجميل أن لا ندرك حقيقة ضرورة وجود الآخر المنفصل عنها وفقط، بل أن ندرك أن كلاً منّا يوجد داخله (أنا) آخر يكون “في الوقت نفسه غريباً ومطابقاً لذاته” حسب تعبير (إدغار موران) الذي لاحظ وجود هذه الثنائية داخلنا..
ووجودها يساعد على فهم (الآخر) المنفصل، الخارجي، وبالتالي خلق تقاطعات معه ومساحات وجود مشترك..
حين يكون (الأنا هو الآخر) يختصر “موران”: (نستطيع إقحام الآخر وإدماجه في الأنا الذي يخصّنا).
يبدو مفتاح التوازن وصولاً لعلاقات أصيلة، تطبيق “التراجع عن الذات” و”دمج الآخر في الأنا”..
وبالتالي، ولو قليلاً.. حاول أن تبصر بعين “الآخر”.
