الملحق الثقافي- حبيب الإبرهيم:
تُشكّل الكلمة على اختلاف أنواعها وتجلياتها، أحد أهم أساليب وطرق المواجهة، إلى جانب الأساليب المختلفة والمعروفة للنضال والمقاومة لتحقيق الأهداف الكبيرة في التحرر والحريّة والاستقلال. وعندما تتعرض الأوطان للمخاطر، سواء الخارجية من استعمار أو احتلال أو مؤامرات، أو داخلية كالفتن والاضطرابات و…عندها يظهر تأثير ودور الكلمة في التوعية المجتمعية، وحشد الرأي الشعبي لنصرة قضايا الوطن والوقوف بقوة وصلابة إلى جانب أذرع النضال المتنوعة والتي تصب جميعها عند هدف كبير ..ألا وهو التحرر والحرية والاستقلال .. والقارىء للتاريخ يدرك جيداً دور الأدباء والمثقفين والفنانين والمبدعين في شتّى فنون الإبداع في تبني قضايا أوطانهم والدفاع عنها والتضحية في سبيلها، وهذا ما عُرف بالأدب الملتزم، والذي ظهر مع بدايات القرن العشرين، وتعرّض أقطار الوطن العربي للاستعمار والاحتلال ما دفع بالشعوب لمقاومة المحتل من خلال الثورات والكفاح المسلح، وقد نجحت حركات التحرر الوطنية في الوطن العربي في تحقيق أهدافها وطرد المحتل وتحقيق الاستقلال. لقد وظّف الأدباء فكرهم وإبداعهم وأقلامهم لتكون إلى جانب البندقية كسلاح مؤثر في معركة النضال، إيماناً منهم بدور الكلمة في نصرة القضيّة ونشر الحماسة والوعي وإظهار الحقائق من خلال القصائد الشعرية والمقالات والروايات التي تثير الحماسة وتؤرخ للنضال ضد الاستعمار والمحتلين وكشف ممارساتهم وجرائمهم بحق الشعوب التي تعاني الظلم والقهر والحرمان. ظهر أدب المقاومة مع نكبة فلسطين عام ١٩٤٨ وما نتج عنها من قتل ومجازر وتهجير ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، فكان الكاتب والمناضل غسان كنفاني أول من جسّد هذه المقولة من خلال رواياته والتي تشرح معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والتطلع للتحرير والعودة. كان كنفاني ثر الإنتاج رغم استشهاده المبكر، فقد كتب العديد من الأعمال الروائية: (عالم ليس لنا، أرض البرتقال الحزين، عائد إلى حيفا، جسر إلى الأبد، رجال في الشمس ؟ ما تبقى لكم، القميص المسروق) ولعلّ القراء من جيلنا -جيل الستينيات – يتذكرون قصة (حق لا يموت) لغسان كنفاني، والتي كانت مقررة في الصف الثاني الإعدادي (الثامن) في مناهج وزارة التربية، وهي مأخوذة عن روايته (أرض البرتقال الحزين). أما روايته الأكثر شهرة (عائد إلى حيفا) والتي تحولت إلى أكثر من عمل فني فقد جسدت مقاومة الاحتلال وحلم العودة إلى الديار وبيارت الليمون، ورواية (عائد إلى حيفا) والتي تُعد من أهم الروايات التي أرّخت للقضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ومقاومته له لتحقيق حلم العودة والذي هو حق مشروع قدّم لأجله الشعب الفلسطيني التضحيات الجسام وما زال، إيماناً منه بأن الحق لا بد سيعود إلى أهله طال الزمان أم قصر. ومن الجدير ذكره أن رواية (عائد إلى حيفا) صدرت طبعتها الأولى في عام ١٩٦٩، وترجمت إلى العديد من اللغات منها اللغة اليابانية عام ١٩٦٩واللغتين الإنكليزية والروسية عام ١٩٧٤واللغة الفارسية عام ١٩٩١. ونظراً لأهمية الرواية فقد تم تحويلها إلى فيلم سينمائي عام ١٩٨١ يحمل نفس الاسم، وقد فاز بأربع جوائز عالمية،وفيلم (المتبقي) عام ١٩٩٤ المأخوذ عن رواية (عائد إلى حيفا) وهو من إنتاج إيراني سوري. كما تحوّلت الرواية إلى مسلسل تلفزيوني سوري للمخرج باسل الخطيب، يحمل نفس الاسم وقد لاقى عند عرضه جماهيرية واسعة وقدّم القضية الفلسطينية بكل أبعادها القومية والوطنية والنضالية والإنسانية. الأدب المقاوم ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراع العربي الصهيوني، ولعل الشعر كان في مقدمة من حمل لواء مقاومة المحتل وتاجيج الجماهير للثورة ضده وانتزاع حقوقه المشروعة وممارسة كل أنواع المقاومة لتحقيق ذلك وهذا ما نجده عند أهم شعراء المقاومة (توفيق زياد، سميح القاسم، محمود درويش،…..) وقد شكّلت قصائدهم أكثر اللوحات حيويةً وغنى ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب، إنّما على الصعيد العربي بأكمله. لم ينقطع يوماً أثر الكلمة المقاومة، فهي مستمرة في وهجها كالشمس، هي انعكاس حقيقي لما يجري على الأرض العربية المحتلة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان، حيث تستمر مسيرة العدوان والبطش والأرض المحروقة وزيادة آلام ومآسي الشعب العربي الذي عانى وما زال من سياسة القتل والهدم والتشريد التي يمارسها الكيان الصهيوني المغتصب في غزة و… واليوم تقف المقاومة وهي أكثر ثقة بقدراتها المادية والمعنوية وهي قاب قوسين أو أدنى من الانتصار …..إن طوفان الأقصى هو البداية، والطوفان الأكبر الذي يحرر الأرض ويطرد الغزاة قادم لا محالة طال الزمان أم قصُر.
العدد 1164 – 24-10-2023