الثورة – ترجمة وجيها رومية:
أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية تقريرها السنوي إلى الكونغرس حول “التطورات العسكرية والأمنية المتعلقة بجمهورية الصين الشعبية” (تقرير القوة العسكرية الصينية) يوم الخميس الماضي.
يعرف الأشخاص المطلعون على العلاقات الصينية الأمريكية أنه منذ عام 2000، يصدر البنتاغون هذا التقرير كل عام، والذي يجمع بشكل أساسي بعض المعلومات العامة، بما في ذلك التقارير الإعلامية ذات المصادر غير المعروفة، في “مجموعة من نظريات التهديد الصيني السنوية” في محاولة لطلب التمويل من الكونغرس وخداع الحلفاء لشراء أسلحة أمريكية. ونتيجة لذلك، يمكن للمرء أن يتخيل مستوى الاحترافية في هذا التقرير.
يمكن تقسيم تقرير القوة العسكرية الصينية إلى ثلاثة أجزاء تقريبًا: أولاً، يقوم بتقييم القدرات العسكرية الحالية للصين دون أي أساس حقيقي. ثانياً، يبالغ بشكل انتقائي في الأنشطة العسكرية للصين خلال العام الماضي. ثالثاً، أنه يشوه ويتكهن بالنوايا العسكرية للصين. ويتضمن تقرير هذا العام قسماً إضافياً ـ الشكاوى حول “مقاومة” الصين للاتصالات العسكرية مع الولايات المتحدة.
ومن خلال الجمع بين هذه العوامل، تحاول الولايات المتحدة اختلاق صورة مرعبة للصين، التي تتزايد قوتها العسكرية بسرعة، وسلوكها العسكري أصبح أكثر عدوانية، و”طموحاتها العسكرية” غير شفافة بالقدر الكافي. إن كل التكهنات والافتراءات الخبيثة حول المؤسسة العسكرية الصينية الواردة في التقرير بعيدة كل البعد عن واقع الوضع العسكري في الصين، ولكنها بدلاً من ذلك تمثل انعكاساً للمؤسسة العسكرية الأمريكية نفسها.
ويركز تقرير البنتاغون دائماً على تحديث الصين لقدراتها النووية ويقدم تكهنات وتعليقات لا أساس لها بشأن الوضع في مضيق تايوان. ومن الجدير بالذكر أن تقرير هذا العام يزعم أن وزارة الدفاع الأميركية تقدر أن الصين امتلكت أكثر من 500 رأس نووي تشغيلي اعتباراً من أيار 2023 – وهي في طريقها لتجاوز التوقعات السابقة، وأن الصين من المحتمل أن تمتلك أكثر من 1000 رأس نووي تشغيلي بحلول عام 2030.
وفي تقرير عام 2020، قدمت وزارة الدفاع أول تقدير علني لها للرؤوس الحربية النووية الصينية، وقالت إن ترسانتها النووية تزيد قليلاً عن 200 رأس. وفي ثلاث سنوات فقط، تضاعف عدد الرؤوس الحربية النووية الصينية في التقرير الأمريكي. إن المنطق السليم يقتضي أن تقرير الولايات المتحدة لم يظهر الدقة المطلوبة فيما يتصل بقضية بهذا القدر من الأهمية. ويعتمد العدد المحدد على احتياجات البنتاغون وواشنطن في أوقات مختلفة.
ويتعين على الولايات المتحدة أن تفهم نقطتين: أولاً، تتبنى الصين الفكر الاستراتيجي المتمثل في الدفاع النشط، ويشكل نشر القوات النووية جزءاً من استراتيجيتها الدفاعية. ومع ذلك، بغض النظر عن عدد الرؤوس الحربية النووية التي تمتلكها الصين أو مدى قوة قدراتها الدفاعية، فإنها لن تصبح أدوات عنيفة للصين للسيطرة على العالم، كما هو الحال مع الجيش الأمريكي. وبدلاً من ذلك، فهي ضمانة قوية للصين لحماية سيادتها الوطنية، وأمنها، ومصالحها التنموية، فضلاً عن السلام الإقليمي والعالمي. وثانياً، إن تطوير قوة الدفاع الصينية له وتيرة ثابتة خاصة به، فهو لا يستهدف أي دولة محددة، ولكنه يحمي بقوة سيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية. وما دامت الصين لم تتمكن من تحقيق إعادة توحيد شطري البلاد وما دامت القوى الخارجية مستمرة في التدخل بلا ضابط أو رابط، فإن الصين لن تتوقف عن تعزيز قدراتها الدفاعية.
إضافة إلى ذلك، لاحظ الكثيرون أيضاً أن تقرير هذا العام يسلط الضوء على ما يسمى بالسلوك العملياتي القسري والخطير لجيش التحرير الشعبي في العامين الماضيين. حتى أن البنتاغون عرض مقاطع فيديو وصوراً لطائرات عسكرية صينية “تعترض طائرات عسكرية أمريكية تحلق في المجال الجوي الدولي بمناورات خطيرة”، زاعماً أن الطائرات الصينية اعتمدت إجراءات أكثر خطورة وقسرية واستفزازية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها في المجال الجوي لبحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي.
ومع ذلك، فإن ما لم يذكره البنتاغون مطلقاً هو أن ما يسمى بالمجال الجوي الدولي يقع في المقام الأول على طول ساحل الصين، حتى أن بعض الطائرات الأمريكية تقتحم المياه الإقليمية للصين، في حين لم تقع أي من هذه الحوادث على طول الساحل الأمريكي. ألا يجعل هذا الأمر واضحاً بالفعل؟ إذا أردنا عكس هذا الوضع، في جو حيث تخلق البالونات غير الضارة إحساساً بأزمة وشيكة في واشنطن، فمن المرجح أن يكون رد الفعل من الجانب الأمريكي أكثر أهمية بكثير إذا ظهرت السفن الحربية أو الطائرات الصينية في المياه الدولية والمجال الجوي خارج سان فرانسيسكو.
لقد أصبحت الولايات المتحدة، صاحبة أقوى قوات مسلحة في العالم، واحدة من أكثر المؤيدين حماسة لما يسمى بنظرية “التهديد العسكري الصيني”، وهي نظرية غير طبيعية في حد ذاتها. فإذا لم تكن لدى الولايات المتحدة نوايا سيئة تجاه الصين، ولم تكن لديها الرغبة في التدخل في جهود إعادة توحيد الصين، ولم تكن لديها أي نية للصراع أو القمع، فإنها ما كانت لتتصور مثل هذا “التهديد” القوي من جانب القوات المسلحة السلمية الصينية. وفي العام الماضي، أوضحت التصرفات التي قامت بها المؤسسة العسكرية الأميركية من هو التهديد المتصاعد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ حقاً وما الذي يشكل التحدي الأكبر للسلام والاستقرار في تلك المنطقة.
وفي نفس الوقت تقريباً الذي صدر فيه التقرير، تعرضت قواعد عسكرية أمريكية متعددة في الشرق الأوسط لهجمات متتالية. وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية أيضًا تحذيراً عالمياً نادراً يشير إلى احتمال وقوع هجمات إرهابية أو مظاهرات أو أعمال عنف ضد المواطنين والمصالح الأمريكية. تشير كل هذه العوامل إلى أن الخطر الحقيقي الذي يواجه الولايات المتحدة لا ينبع في الواقع من التحدي المتخيل لموقعها القيادي من جانب الصين. بل إنه ينشأ من تدخلاتها المفرطة والرد السلبي الناتج عن خلق التوتر والتحريض على خطر الحرب على نطاق عالمي. وهذا هو ما تحتاج الولايات المتحدة حقاً إلى الاهتمام به والتأمل فيه.
المصدر – غلوبال تايمز