يمن سليمان عباس
مرت منذ أيام قليلة ذكرى وفاة واحد من أشهر الشخصيات الإبداعية ليس في الأدب الفرنسي وحده إنما العالم كله , لويس اراغون الشاعر الذي هام حبا بكل ما إنساني وجمالي , وكانت مواقفه مع القضايا العادلة رائعة , أعجب بالثقافة العربية وكتب عنها الكثير واليوم نفتقد مثل هذه الشخصيات العالمية التي كانت تحرك ضمير العالم , وبصوت عال تقول : لا للظلم والعدوان , نستعيد في هذه العجالة بعضا من محطات حياته وما كتبه في عيون الزا اللتان فاقت عيون العالم جمالا وحضورا ونقاء.
وُلِد لويس أراغون في مدينة باريس في فرنسا 3-10-1897م، وكان والده لويس أندريو يعمل مُحافظًا ونائبًا في قسم الشرطة، أما والدته فهي مارغريت توكاس،
حصل لويس على إجازة في الطب في الفترة بين عام 1914-1915م وعمل في السلك الطبي في الجيش، وهناك تعرف على الشاعر السيريالي أندريه برينتون في عام 1917م، ومن هنا أصبح من مناصري الثورة السريالية التي كانت تمثل حركة فنية وأدبية لا عقلانية تقوم على اللاوعي، والتي انعكست على مؤلفات لويس فغدت معظم أعماله الشعرية والنثرية خلال فترة عشرينيات القرن العشرين تتمحور حول الحركة السريالية، وأسس مع برينتون وفيليب سوبولت مجلة عن الأدب السيريالي (في عام 1919، واستمر بدعم هذه الحركة وألّف عدّة قصائد تدور حولها، ولكن وبحلول عام 1927م، انفصل لويس عن السريالية واتبع الحركة الشيوعية، ومن هنا ابتعد عن رفاقه مُكرسًا نفسه لثورة جديدة رآها حيوية أكثر من ثورة السيريالي بريتون، خاصةً بعد زياراته المتكررة إلى الاتحاد السوفييتي، فزاد إعجابه بالقضية الشيوعية وغدا فيما بعد محررًا لصحيفة الحزب الشيوعي (والتقى لاحقًا بالكاتبة الروسية إلسا تريوليه في عام 1928م، والتي أصبحت رفيقة دربه وزوجته ومصدر الإلهام لقصائده الغزلية الغنائية المتعددة التي أنشدها والتي عبرت عن عشقه وحبه الشديد لها.
ويضيف موقع مفكرون حول حياته:
ومن جهة أخرى، فقد تغيّر فنّ وأسلوب لويس الأدبي بصورة جذرية بعد انضمامه للحركة الشيوعية، فعاد إلى الأسلوب الواقعي في القرن التاسع عشر من خلال سلسلة من أربع روايات ألّفها خلال الفترة من 1933-1944م، والتي رسم من خلالها صورة واضحة للحياة الفرنسية قبل الحرب العالمية الأولى، قاصداً من خلالها إدانة البرجوازية دون إظهار آرائه السياسية بوضوح، على خلاف سلسلته الروائية التالية التي حملت اسم الشيوعية، والتي ألّفها في الفترة بين الأعوام 1949-1951م، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال المتتالية التي عاد بها إلى القرن العشرين وأسلوبه الخاص والمميز، واهتم بأعمال الرسام هنري ماتيس وجمعها في رواية هنري ماتيس التي ألّفها في عام 1971م.
وكان لأراغون نشاط أدبي وفكري واسع خلال الحرب العالمية الثانية، فبرز كعضو نشط في المقاومة الفكرية، وعبّر عن مُعتقداته من خلال نشر سلسلة من القصائد الوطنية المكثفة، بالإضافة إلى سلاسل مختلفة من الروايات، من بينها مجموعة تدور حول مسيرة الشيوعية المحملة بالدعاية الماركسية، والسيرة الذاتية التي حملت اسم النسيان أو “بلانش”، والتي غدت فيما بعد سيرة ذاتية شعرية مليئة بالنداءات للحزب الشيوعي، والتي عكس من خلالها أحدث التقنيات الروائية في عصره، بالإضافة للقصائد الغزلية المتنوعة التي كانت بطلتها حبيبته إلسا.
تضمنت كتابات وقصص لويس قصصه الشخصية التي أصبحت موضوع شعره، والذي كان في الأساس بقصد التعبير عن الذات، فحمل في سطوره المواضيع الوطنية وأشعار المقاومة التي ازدهرت الأشعار المنشودة لها في فرنسا خلال فترة الاحتلال، ولم يكتفِ أراغون بالشعر والروايات الرومانسية، بل قدّم عدّة مقالات في مواضيع فنيّة وأدبية أخرى تدعم القضايا السياسية، والحركة الشيوعية، والقضايا التي رآها مهمة وجديرة بالدفاع عنها، كما خدم في منظمات الكتاب.
من أبرز مؤلفات لويس أراغون:
رواية أجراس بال: وهي واحدة من اهم رواياته التي ألفها في عام 1943، وقد تُرجمت من اللغة الفرنسية إلى العربية، وتتحدث بدورها عن الإنسان خلال العصر الذي تراجعت فيه القيم الإنسانية المألوفة.
رواية أوريليان: وهي رواية رومانسية خيالية من روائع الأدب الفرنسي التي ألّفها لويس أراغون خلال الحرب العالمية الثانية، وقد نشرت في عام 1944م، وحظيت بالكثير من الاهتمام، وقد تمت ترجمتها إلى اللغة العربية.
مجنون إلسا : وهو كتاب أشبه بمذكرات مغزولة بالشعر والنثر ألفّها الأديب الفرنسي لويس أراغون، تتمحور الشخصية الرئيسية فيه حول إلسا حبيبة أراغون التي نظم فيها أجمل قصائد الغزل، والتي اعتبرها بدوره معلمته وقائدته التي استوحى منها إلهامه ومفرداته العظيمة، فاعتبر نفسه مُجردًا وفارغًا من دونها، وأن قصيدة يُشع أكثر بوجودها، وأن كل كتابة يُشار لها فيها تُمثل أعجوبة وسحر يعكس مشاعره الصادقة تجاهها.
من أشهر أقوال لويس أراغون ما يأتي:
هناك زهور غريبة للعقل لتتناسب مع كل خطأ من الحواس.
نحن نعلم أن طبيعة العبقرية هي تزويد الحمقى بالأفكار بعد عشرين عامًا.
دع نفسك تنقاد، لم نعد في عصر السبب.
عشت لأنني ولدت، وكان هذا كل شيء.
خيالك يا صديقي العزيز يستحق أكثر مما تتخيل.
ومن عيون الزا نختار :
عيناك من شدة عمقهما رأيت فيهما وأنا أنحني لأشرب
كل الشموس تنعكس، كل اليائسين يلقون فيها بأنفسهم حتى الموت، عيناك من شدة عمقهما.. أني أضعت فيهما ذاكرتي .
في ظل الطيور يوجد المحيط المضطرب
ثم فجأة يشرق الطقس الجميل وتتغير عيناك
الصيف يطوق الطبيعة العارية بمئزر الملائكة
السماء لم تكن أبداً زرقاء كما هي فوق القمح.
الرياح تذرو بلا طائل أحزان الزرقة
عيناك أكثر صفاء منها عندما تتألق فيهما دمعة
عيناك تجعل السماء التي تعقب المطر غيورة
الزجاج لا يكون أبداً أشد زرقة إلا عند تحطمه.
أم لسبعة أحزان يا أيتها الضياء المبتلة
سبعة سيوف اخترقت مخروط الألوان
النهار أشد حسرة وهو يبزغ بين الدموع
قوس قزح يثقبه سواد أشد زرقة من أن يكلل بالحزن.
عيناك في الحزن تفتحان شقاً مزدوجاً
عن طريقه تقع معجزة الملوك
عندما رأوا ثلاثتهم بقلب خفاق
رداء مريم معلقاً في الحظيرة.
فم واحد يكفي في شهر مايو كلمات
لكل الأغاني وكل الحسرات
قليلة جداً رقعة السماوات لملايين الأنجم
كانت تلزمهما عيناك وسحرهما التوأمان.
الطفل الذي تسيطر عليه الصور الجميلة
يحدق بعينيه باتزان غير كثير
وعندما تحدقين بعينيك لا أدري إذا كنت تكذبين
كأن المطر الغزير قد فتح أزهاراً برية
أتخفيان بروقاً في هذا العشب العطري حيث*
تضرم حشرات حبها العنيف
لقد سقطت في شباك النجوم الطائرة
كصياد يموت في البحر في أوج شهر اغسطس.
لقد استخرجت هذا الراديوم من طبقات المعدن
وحرقت أصابعي في هذه النار المحرمة
أيها الفردوس الموجود المفقود مائة مرة
عيناك هما (بيرو) التي لي و (جولكوند) وجزر الهند.
حدث ذات مساء جميل أن تهشم الكون
على صخور الشاطئ التي أشعلها القراصنة
أنا قد رأيت تتألق فوق البحر
عينا إلزا عينا الزا عينا الزا .