في كل عام، وفي الربع الأخير منه تقام احتفالات بأيامٍ عالمية للطفل وحقوقه، يحتفل بها العالم أجمع، واليوم العالمي للطفل لعام 2023 يرفع شعار: تعزيز حقوق الأطفال، وبناء مستقبلهم. وتتوافق هذه الاحتفالات في تقارب زمني مع اليوم العالمي لنقاوة الهواء من أجل سماء زرقاء.
ويوم الطفل في خطوطه العريضة يهدف إلى التركيز على حقوق الطفل، وتعزيز رفاهيته، وحمايته، وبناء عالم يتمتع فيه بأفضل الفرص للنمو، والظروف للنجاح. ولما كان شعار هذا العام يُستكمل بعبارة (طفولة بلا حدود) فإنه يعكس بالتالي التزام المجتمع الدولي بتوفير بيئة آمنة، وملائمة تسمح لكل الأطفال بالتعلم، والازدهار، وتحقيق طموحاتهم في تجاوزٍ للحدود الجغرافية، والثقافية، والاجتماعية لضمان حقوق الطفل في جميع أنحاء العالم.
إلا أن هذا العام جاء يحمل مفاجآته المتفجرة بالصواريخ، والقنابل التي تستهدف أطفال (غزة) بلا حدود أخلاقية، أو إنسانية، أو حضارية رادعة تحمي أطفالاً شاءت أقدارهم أن يولدوا في موقع جغرافي يبدو أنه لم يدخل في حسابات المواثيق الدولية في الحفاظ على أبسط الحقوق ألا وهو الحق الأصيل في الحياة، وبغض النظر عن مجموعة من المعايير العالمية التي يجب أن تلتزم بها جميع الدول، وبعيداً عن حق التعليم، والرعاية الصحية والنفسية، والحماية والسلامة من جميع أشكال العنف، والاستغلال، والتمييز، وحق سماع أصوات الأطفال أنفسهم في التعبير عن آمالهم، وأحلامهم بدل سماع أصوات القصف، والقنابل المتفجرة.
والعالم الذي قطع أشواطاً في الحضارة يؤسس بموجبها لأيامٍ عالمية يتم فيها تنظيم فعاليات متنوعة في العديد من الدول تنادي بالحماية، وحفظ الحقوق، نجده يقف الآن متفرجاً على هدم أسوار الحماية، وسلب الحقوق، ولا يفرد يوماً من أيامه على مساحة العالمية من أجل أطفال فلسطين إحياءً لذكرى الأطفال الشهداء في (غزة)، والشهداء الأحياء منهم الذين مازلوا حتى اللحظة فوق أرض.. وربما هم ينتظرون دورهم ليصبحوا شهداء بحق أيضاً.
والسماء الزرقاء التي تبحث عن نقاوة هوائها ليسطع لونها الأزرق باتت رمادية سوداء، ملبدة بسحب النار، والدخان، لا تعرف كيف تتخلص من هواءٍ خانقٍ، مسمومٍ، ملوثٍ بالاحتراق.
إلا أن العالم على اتساعه، وتنوع طينة البشر فيه مازال يحتفظ بأنقياء على اختلاف ألوانهم، وأعراقهم، وشعوبهم، ينادون بملء الحناجر بوقف العدوان عسى أن تهبط إلى الأرض عدالة السماء.
وإذا كنا سنطلق نداءً للعدالة، والتغيير لعدم التفرقة في معاملة أطفال العالم بين مكان وآخر بغض النظر عن جنسياتهم، أو أصولهم الاجتماعية، فنحن ندرك جيداً أنهم بطبيعة الحال يعيشون تحت ظروف مختلفة تماماً عن بعضها بعضاً، ففي حين هناك مَنْ يتمتع بحياة مستقرة، وفرص غنية للتعلم، والنمو، يواجه آخرون ظروفاً قاسية، ويقعون ضحايا للتميز مما يعرقل بدوره تطورهم، ويحجب عنهم تحقيق إمكاناتهم كاملة فما بالنا بالحروب المدمرة التي تجهز على كل الآمال!؟
وهذا ما يجعلنا بالتالي ننظر إلى هذه التفاوتات كمشكلة عالمية تشكل تحدياً كبيراً يستدعي معه انتباهاً فورياً، وتدخلاً عاجلاً، وعملاً جماعياً عالمياً يتبنى سياسات شاملة تحمي الطفل تحت أي ظرف كان.
إنه اليوم العالمي للطفل.. وقد خُصص ليحتفى به في نيل الطفل لما يضمن له حياةً أفضل.. إلا أنه في بقعة صغيرة من العالم بات يبحث له عن مكانٍ يوارى فيه جسده الصغير الثرى.. فهل ستتحقق العدالة يوماً لتصبح بحق بلا حدود، ولا تفرقة بين طفل وآخر؟
* * *