محمد شريف جيوسي ـ كاتب أردني
اعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك في بلد عربي، أن حل مسألة ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن ، يكون بفتح باب استيراد اللحوم المثلجة .
ونسي ذاك المسؤول أن استيراد منتجات أو مواد يمكن إنتاجها محلياً، وإن يكن بكميات لا تفي حاجة الاستهلاك المحلي، يكون (أي الاستيراد) على حساب البلد مستورد المنتج استراتيجيا، وبخاصة عندما يكون المنتج غذائياً، كـاللحوم سواء كانت لحوماً حمراء أو أسماك أو دواجن أو ألبان؛ حيث سينعكس ذلك سلباً على سلسلة طويلة من المرتبطين بإنتاج وتسويق ونقل وتبريد وطبابة بيطرية وتصنيع للمنتجات؛ من مواطني تلك الدول أو المجتمعات، في المدى القصير، والتحكم بعد تفليس المنتجين الوطنيين بالأسعار ، وجعل عودة المنتجين وما يرتبط بهذا القطاع؛ إلى الإنتاج مجدداً شبه مستحيل .
ويترتب على الاستيراد أيضاً تعظيم البطالة في القطاع الزراعي ، وهجران الأراضي ، وانتقال شرائح واسعة من الأرياف إلى المدن الكبرى ، ما يولد أزمات اجتماعية وتعليمية وصحية .
كما أن استيراد المواد الغذائية ومن ضمنها المنتجات الحيوانية على تفريعاتها المتعددة ، يكون غالباً على حساب الأمن الغذائي الوطني ، والإمساك بخناق الدول المستوردة عند حدوث خلافات سياسية أو غيرها ، مما يفقد البلد المستورد الحرية في اتخاذ قرارات سيادية ، والتفريط بما هو أهم جراء ذلك .
ويتطلب الاستيراد تأمين كميات إضافية من ( العملات الصعبة ) أو الدفع بعملتها الوطنية،أو مبادلتها بمنتجات ملحة للبلد المستورد، وفي كل الأحوال سيؤثر ذلك سلباً على سعر صرف العملة الوطنية، وارتفاع تلقائي على أسعار المنتجات الغذائية بما فيها الحيوانية وغيرها .
إن أسوأ خيار لتأمين منتج غذائي للمواطن بسعر مقدور عليه بمواجهة الارتفاع (الجنوني) لأسعار المنتجات الحيوانية،معالجة الأسباب الحقيقية لارتفاعها، وفي المقدمة ، تضخم أسعار الأعلاف والمحروقات والنقل والتبريد والعلاجات الحيوانية والمياه ، وربما عدم وفرتها أحياناً بكميات كافية .
وحيث أن تعظيم الإنتاج يمثل ضرورة لتحقيق سيادة أي بلد ـ بتوفير ما يفوق أو يعادل على الأقل متطلبات رصيده من الذهب والعملات الصعبة، لتحقيق استقرار عملته الوطنية، وتحقيق أمنه الاجتماعي واستقراره السياسي ـ فإنه لا ينبغي النظر إلى كلف تعظيم الإنتاج الوطني ، نظرة سكونية رأسمالية وإنما إلى ما هو أرحب وأجدى وأكثر عدلاً اجتماعيا وأمناً وطنيا واستقرارا، بإعطاء الإنتاج المادي وبخاصة الزراعي ـ الحيواني منه وما يتولد عنه ، أولوية ، فالحسابات الرقمية المطلقة الجامدة لا تعني شيئاً ، أمام ما يترتب على ذلك من نتائج وتداعيات .
لا بد من اجتراح أساليب ووسائل وأدوات تحقق خفضاً كبيراً لأكلاف الإنتاج الزراعي ، وتثمير ما هو متاح ، أو لم يستغل بعد ، وإعادة إنتاج ما يهدر ، وهي الوفورات التي تحقق وفراً آخر أيضاً في أكلاف الصناعات الزراعية ..
ولتوفير الأعلاف بكميات أكبر وبكلفة أقل ، يمكن حصاد الأعشاب في المناطق المفتوحة وفي البادية وعلى جوانب الطرق الخارجية والداخلية كأعلاف خضراء ، توضّب على شكل بالات، كما يمكن زراعة البرسيم كمحصول هام إلى جانب الشعير والكرسنة ، وتحقيق حصاد أمثل لنخالة الأقماح والحبوب على أنواعها ، والاستفادة من أوراق وأغصان أشجار أرصفة المدن ؛ في مواسم التقليم .
وليمنح المزارعون والفلاحون ومربو الحيوانات والدواجن مزايا موثوقة باحتياجاتهم الحقيقية من المحروقات اللازمة لضخ المياه لغايات الشرب وسقاية الحيوانات وري المزروعات ، وليتم بناء المزيد من السدود وبرك المياه في البوادي وتنمية ثقافة الحصاد المائي ، ودعم من يبادر إلى إنجاز مبادرات تسهم في الاستغناء عن مصادر المياه التقليدية .
تتوفر منطقتنا العربية ومناطق عديدة من العالم ، على أشجار ينتج بعضها أعلافاً ، وأخرى زيوتاً تصلح كوقود ، وبعضها جالبة للأمطار وملطفة للمناخ ، وغير ذلك من الفوائد كالثمار ، وعليه يحسن بدولنا العربية ، أن تنوّع من زراعة هذه الأشجار داخل المدن (أرصفة وساحات ومشاريع غابات) .. ولا تقتصر مثلاً على أشجار السرو ، كما يجدر بنا تشجيع من يعمل على تحقيق اكتفائه الذاتي من المنتجات الغذائية والمياه والطاقة .
هذه بعض الحلول لمعالجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية النباتية والحيوانية لدى أقطارنا العربية ، فضلاً عما يحيط ببعضها من حصار واحتلالات وفتن وحروب الخ فرضتها أصابع الغرب والصهيونية العالمية ؛ بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، ولا بد أن حلول مشاكلنا ، ينطلق من الذات ومن الذات فحسب وليس غير ، وفي المقدمة تعظيم الإنتاج والإنتاج والإنتاج ، وتتوفر أوطاننا على قدرات ذاتية كافية لتحقيق هذا الهدف ـ المطلب الاستراتيجي .