الثورة _ رنا بدري سلوم:
للرسائل الوجدانية التي كتبها الدكتور عيسى درويش معان مضمرة، وشاعريّة بوزن وقافية خليليتين، تقصّد أن يوحّد رسائل عشقه، وأن يغيّب عناوين القصائد لتنوب عنها الأرقام في مجموعته الشعريّة “رسائل في العشق” إصدار اتحاد الكتّاب العرب، وكأنه يريد إزاحة الفوارق بين القصائد المنتظمة في رسائله بلغة آسرة شفيفة فكتب:
العشق ديني وعند الله أودعه
وقد جعلتُ الهوى عهدي وميثاقي
وكتب:
الحب طقسٌ أرى في الله روعته
وفي علاماته: العلم والأدب
ووفقاً لمقدمة الدكتور صلاح الدين يونس التي تصدّرت ديوان الشعر فإن بناء لغة الشعر هي البنائية الخاصة، فليست من تبعات النثرية الحديثة في الشعر، بل ليست من هذيانها الفردي، وليست من البنائية الغامضة التي كانت تصلنا في صور تضيع فيها الخطوط الفردية في الخرائط العامة، ولكنها لغة خاصة جداً، وعامة جداً، أما أنها خاصة جداً فلأنها أقالت السيرة الذاتية للشاعر، وأحالت محلها السيرورة الجمالية للحياة، فأحضرت المرأة حضوراً على أنها العالم المثالي الذي يتصوره الشعراء، وأما أنها عامة جداً فلأنها قبلت “التوطن” في قلب كل عاشق، شاعراً كان أم غير شاعر.
كذلك تتقبل التبيئة خارج المعهود من الجغرافيات الإنسية، فالقارئ إن تغيب عنه أسرار العاشق الشاعر فستمضي به اللغة إلى متحف ثري بالأسرار والكنوز المخبأة، من غير أن تشارك اللغة علوماً أخرى، وقد تخفي بعضاً من أضواء الشعرية أو تقلل من توهجها.
ومن رسائل الشاعر درويش إشارته إلى الحياة فيكتب:
هي الحياة، حكاياتٌ منوعةٌ
في كل واحدة يستوطن العدم
سأبقى على عهدي إليك وفية
ومن ذاق كأس العشق لا يتجبّر
وحبّك عندي في الضلوع مكانه
وإن متُّ فوق القبر ورداً سيزهر
الشعر هو الوسيلة الأرقى لتعميم الشخصية مهما كانت جوانبها الأخرى، فمعظم علماء الأصول والقراءات والنحو والطب والفلسفة نظموا الشعر، فالشافعي الفقيه وابن سينا الفيلسوف والزمخشري والبيروني الطبيب لهم دواوين شعر، وعلى الرغم من تراجع شعر الفقهاء والعلماء على المستوى الفني فإن ذلك الشعر هو الذي أدخلهم إلى عوالم العامة، لأن علومهم الخاصة تبقى عند المهتمين والخاصة.
إنها إجابة عن تساؤلنا وتساؤل الدكتور يونس، كيف للدكتور عيسى درويش بعد أن طاف بين الإدارات كيف له أن يعود إلى الشعر؟ وتلك وهذه ونظريتهما ليست ببواعث شعرية؟!
يناولني بالكأس راحاً وراحةً له
من جنى الفردوس حلو الشمائل
فخذني حبيبي في حماك وضمّني
وعندك ربي قد وضعت رسائلي
بهذه النصوص الشعرية نقرأ رسائل الدكتور عيسى درويش فيهيمن علينا بطريقته الوجدانية ويؤكد مقولة المفكر الفرنسي جون كوين “للشعر طبيعة سلطانية إما أن يهيمن أو يتنحى “.
فهو الذي كتب:
ورحت أقرأ سفر الكون مندهشاً
وقد طرحت سؤالاً حير البشرا
أنا التراب أبي والماء وحّدنا
في حفنة الطين ربُّ أحسن الصورا
وكيف أنت وأنا والصورتان هما
أصلٌ وظلٌ في ضدّين قد ظهرا
يا حلوة الروح قلبي للوصال هفا
فلا تلومي حبيباً أعلن الخبرا
التالي