محمد شريف جيوسي ـ كاتب أردني:
توالت الهزائم والانتكاسات العربية منذ قرن ونيف، بالتزامن مع الهدن والمفاوضات السياسية، وعمالة أو غباء بعض مفاوضينا أو ضعف خبراتهم بألاعيب السياسة ودهاليزها، أو بالاعتماد على حسن نية “الرفيقة” بريطانيا، وفي أيامنا على حسن نية “الوسيط النزيه!” الولايات المتحدة الأمريكية.. وعلى علاقات إسلاموية نظماً أحياناً وجماعات مرتبطة قياداتها تاريخياً بالغرب ولا تزال، وتفرّخ جماعات تقول وربما تفعل أحياناً حُسناً وهي تضمر تالياً استخدامه للأسوأ.. ذلك ما بينته الكوارث وليس في ذلك اكتشاف باهر أو اختراع بل هو الواقع.
لقد علّمتنا كوارثنا أن ما نحققه في الحرب والتضحيات والشهادة؛ نخسره سريعاً في المحادثات والمفاوضات والمعاهدات والاتفاقيات والسلم المزيف؛ مع أعداء على قدر عال من الغدر، والنوايا الخبيثة وعلى تنسيق مع أعداء في الداخل والخارج، يزينون لنا “طيبة وحسن خلق ونزاهة وتفهم وعطف” من يقف وراء بقاء العدو عدواّ، يلغُ من دمنا وينهب أرضنا وثرواتنا وينتهك كرامتنا ويذبّح أطفالنا ونساءنا ومرضانا ومسنينا وشبابنا ورجالنا، هدفهم كسب جولات بالنقاط لصالح أجندات تجزيئية متخلفة تُظهر غير ما تبطن وتخلط عملاً صالحاً لتمرير آخر طالحاً.
أقول إن ما حققته مؤخراً مقاومة الشعب الفلسطيني مجتمعة في غزة والضفة وفي الشمال بالتلاحم مع المقاومات اللبنانية والعراقية واليمنية، وما أحدثته من تغييرات جوهرية لدى الشوارع العالمية بخاصة في أمريكا والغرب، ولدى سياسيين ومفكرين على مساحة العالم، لا ينبغي أن تنسينا أمرين في زحمة الزهو؛ أولاهما، ما يتوفر عليه عدونا ومن يدعمه من قدرات سياسية وألاعيب وخداع لجهة سرقة المنجزات، وثانياً أن يدعنا الزهو بما تحقق، الاكتفاء به، لسببين، أولاهما أن العدو ومن معه لن ينسوا انكسارهم وسيحاولون استعادة ما خسروه من مكانة وما أصابهم من مهانة، وثانياً أن قضية فلسطين أكبر وأشمل من استعادة بعض الأسرى أو حتى جميعهم (مع أهمية ذلك).. فهي قضية تحرير وطن وشعب بكامله، كما هي قضية عودة من في الشتات ومن في الداخل إلى موطنه وتعويضه عن كل ما لحق به من آلام وويلات وعذابات وقتل وأسر وتهجير واغتراب وتمييز عنصري واضطهاد وانتهاك للحرمات والمقدسات وسرقة للثروات والآثار.
لكن هذا لا يعني أن المدنيين الإسرائيليين مستهدفون، بل كل من يحمل السلاح مقاتلاً أو ناقلاً له أو مزوداً أو صانعاً أو متجسساً أو داعماً لكل من سبقوا بمختلف أشكال الدعم المالي والإعلامي والمعلومة.
ولا بد أن كل من يفر منهم إلى حيث جاء هو أو أسرته فإنه يكفي نفسه ويلات حروب ستتوالى حتى النصر الكامل الناجز، وهو بذلك يسهم في تقصير وقت معاناته والجميع.
لقد عرفت فلسطين وبلاد الشام والمشرق والوطن العربي المزيد من الحروب والاحتلالات والحملات والغزو والاستعمار.. وبمن جاء بيافطة الإسلام وذرائعه، لكن أياً منها لم يستقر في النهاية وولى دون عودة، ومصير الإحلالية الصهيونية الغازية، وأي أطماع أخرى جديدة سيكون كسابقاتها، وعليه يتوجب أن يفهم ذلك اليهود الصهاينة وأن يعملوا بموجبه قبل فوات جدوى الإدراك.
ولينظروا جيداً إلى أن واشنطن؛ حاميتهم، باتت تعاني من أزمات داخلية جمّة وانقسامات ضارية، ومن كراهية العالم قاطبة وأنها بلا ذمّة، بدليل الكيفية التي تتعامل بها مع حلفائها وتابعيها.. وأن دولاً متحالفة تاريخياً معها بدأت بالتمرد عليها، وأنها تتعرض الآن لهجمات عسكرية مباشرة وبالنيابة من جهات عدة.
بكلمات على الصهيونية العالمية وصهاينة الدواخل في العالم قاطبة، عدم المراهنة على قدوم الغيث من واشنطن، والنجاة بأنفسهم قبل أن تنقلب عليهم تحت ضغط شوارعها وتردي أوضاعها.