الملحق الثقافي- خالد عارف حاج عثمان:
يأتي الإنسان إلى هذه الحياة ..يحل ضيفاً عليها..يشقى..يجد ..يجتهد يجاهد..يغامر..يعيش في جماعة الأسرة والأصدقاء والمجتمع..يتطور..يكبر..يؤسس نفسه يبني ذاته ضمن الجماعة..ويتشكل وعيه الفردي..مايلبث أن يغدو جمعياً..وطنياً..قومياً وتتسع الدائرة فتشمل الإنسانية جمعاء..
ترى كيف يتشكل الوعي الإنساني..وما دور الانتماء في تشكله..؟ سؤالنا طرحناه على عدد من المبدعين والمثقفين داخل سورية وخارجها..وكانت الأجوبة…
– آراء ووجهات نظر في الانتماء..والوعي الإنساني..:
الانتماء وتشكيل الوعي الإنساني
وحول ذلك تذكر الشاعرة أميرة إبراهيم من سورية:
الانتماء هو الشعور بالاندماج الكامل في المجتمع وثقافته رغم كل الظروف والتحولات التي تطرأ على هذا المجتمع، فالغربة والانتماء هما مفاهيم تتعلق بالهوية والانتماء الثقافي، ويتجلى ذلك عند معظم الأدباء الذين عاشوا حالة الغربة وكانوا يبحثون عن الانتماء من خلال ما كتبوه من فنون الأدب سواء شعراً أو رواية أو مسرحاً أو موسيقاً…..الخ
ففي أدب المهجر تناولت النصوص موضوعات متعلقة بالهجرة والانتماء والتحديات للتأقلم والاندماج مع المجتمع المحلي، هنا قد نجد صراعات نفسية وتحديات ذاتية تختلف بحسب ثقة الشخص بنفسه وقوة إرادته على الاندماج وقدرته على تخطي حواجز الهجرة والعولمة والغربة.
ولأنه أحد العناصر المهمة في الأدب العربي فقد لعب دوراً رئيسياً في تشكيل رؤية الكاتب وتوجهه الأدبي، وفي نزعاته الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية ومسألة التعريف عن تراثهم وثقافاتهم.
إذا للانتماء دور حيوي في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي للفرد والمجتمع سواء ـكان في الأدب أم في باقي الفنون الأخرى.
*- كلية الإبداع…
تقول الشاعرة عائشة السلامي في مقاربتها على سؤالنا:..
الإبداع كل لا يتجزأ ولكن هناك انقياد روحي خلف الهواية التي تغذي النفس فتظهر بشكل فن معين دون غيره
لأن المبدع يمتلك روحاً شفافة فانظروا للكاتب لا يمكن إلا أن يكون متذوقاً للموسيقا من الطراز الأول وكذلك له رؤية خاصة للوحات المرسومة وهو رسام لكن بالكلمات.
الإبداع خلية متكاملة تظهر النفس البشرية في أرقى وأنقى تجلياتها، فطوبى لمن امتلك ذلك الحس الشفيف الذي يرى من خلاله كل شيء جميلاً، ويتجلى انتماء المبدع فيه من خلال رسم الصور في الخيال والحوارات الدائرة مع النفس أو المرآة قد تحشب المبدع يعيش أحياناً في جنون أو في حالة من الهذيان إلا أنه يخرج بعد ذي الحالة بنص خرافي تحسبه تراتيل روحانية أو ترانيم ملائكية عزفت الفن على الإبداع
لذلك ترى في المبدع أشياء لا توجد في الإنسان العادي فتراه يميل للوحدة ولاقتناص المشاهد من باكورة الروعات
الشاعرة هالة الغضباني من تونس
إن اللا انتماء يطمس الهوية الوطنية ولن نخرج من الخندق ونتخلص من عنق الزجاجة إلا إذا أعددنا مشروع إنسان فـ «الشخص مشروع» لو استندنا إلى الفلسفة الوجودية السارترية ومصدر كل إبداع هو الفرد الذي يمثل محور الارتكاز في مسار الإبداع ولن نمضي قدماً إلا بمقاومة التصحر الفكري، فالفن منارة لتغيير الواقع المعيش والعبور من الهوية كانطوائية إقصائية إلى الانتماء كوحدة جماعية في زمن كرست فيه مبادئ الرداءة الثقافية لتؤسس لسياسة التمييع والسطحية واجتياح جحافل الطوطوية، فيأبى الإبداع الصمت شاهراً سلاح الفن كلمة ونظماً بكل تجلياته، فعندما تنطق القافية وتتكلم الرواية ويرسم الواقع وتتغنى المعزوفة وطناً يتعزز الانتماء وتتفاعل ثلاثية الفن والفنان والمتلقي فتخلق ازدواجية بين عمق التمثل وثمالة التطريب مع روعة الإلقاء والإيقاع لتنتج سمفونية تحت عنوان»صدق الوعي وعمق الانتماء»مستلهمة من مفارقات واقعية وشعارات منشودة ووطن عصي على التهجين والتهجير.
لن يقتل الحلم ولن تطمس الحقيقة
في أجيال تنبت قيم الجمال وتصدح فناً فيعلو صوت الإبداع وتتجذر روح الانتماء
إذا تحدثنا عن الشاعر فإننا نناقش قضية الولاء الواعي، فالانتماء إلى الشعر هو الانتماء للوطن بهواجسه وقضاياه، فالشاعر إنسان والإنسان فرد من المجتمع والمجتمع لبنة الوطن عليه أن يعالج القضايا المجتمعية ويعري زيف الواقع كخطوة أولى نحو الإصلاح، فالكلمة الحرة سلاح بما تتضمنه من رمزية /استعارة/مجاز/تشبيه، وهذا مايعزز الانتماء الوطني ويقلص الهوة بين الشعوب بنقل الموروث الثقافي والتاريخي فكم من قافية رسخت الوعي الاجتماعي ووجهت الرأي العام للتأسيس لشعار «فرقتنا الحدود المسافات وجمعنا الشعر»..
المبدع يحطم قيود الانغلاق..
هكذا عبرت الشاعرة منى حبابة في إجابتها عن سؤال الملف:
لايتقيد المبدع بما في محيطه من ظروف…إنه يحطم حجراً ميؤوساً منها فتخرج في النهاية صلبة براقة
حريته تتقلص إن انتمى لجزء يسير منها يشير بقدرته يتفوق على الطبيعة بعد أن يصرف الألوان بمزاياه الفنية ويشدو مثل حلم طائر في مسرح ..يراقص بأنامله كتاباً من المعاني.. يكتب القصائد من جرح أو فرح
هناك.. مدارس تشكيلية أصحابها أسماء لامعة لكن تختلف الأماكن الروايات .من مبدع لإبداع آخر
لايوجد انتماء كامل ولا عمل حر كامل تحاصره دموع القلب ويتشتت بين الرسم والأدب والنحت والغناء..كما قال الشاعر
جبران خليل جبران: أعطني الناي وغني ..فالغنا سر الوجود..
وطني عروبتي فخر الأوطان ..
الشاعرة التونسية أسماء الحاج مبارك تقول منشدة:
وطني عروبتي فخر الأوطان
فداك دمي روحي بصمتي والعنوان
البطين والشريان دجلة وفرات
بلاد الرافدين ما بين النهرين
حجر ومقلاع وسكين
وتاريخ صلاح الدين
وقرى وبيت نبالا
أهلها مهجرون
على ضفافك ارتوينا
أدبا وفقها ولا زال الأزهر يسقينا
عطشى والنيل لا يكفينا
خضراء قرطاجية حسناء
قلاع أسوار مدن وأسماء
كيف من حب تونس الشفاء
محمود الراية والصمود
درويش وقصائد خلود
كيف من حب تونس نشفى
شقيقتنا ماذا حل بك من دمار
إذ هب الجمع والجميع منهار
نقف صفا عضدا والدمع مدرار
يا إخوتي العرب أنقذوا ما تراكم إذا ارتعدت الأرض زلزالا
أشلاء صراخ عويل متقطع ينفذ من عمق الركام
وطني ويأسرني عبق الترب
فداك دمي والترب
والمجد يا وطني لكل العرب
حماك الله يا وطني
بوحدة العرب لمحو ما علق بالعروبة من كرب وبلاء…
حاجة الانسان للانتماء…
هذا ماعبر عنه الشاعر هيثم الضايع..في جوابه عن سؤالنا..
الانتماء وتشكيل الوعي الإنساني..
مضيفاً: …
الانتماء حاجة إنسانية في كل المجتمعات شرقية وغربية.. متقدمة ومتخلفه ..
وهو انتماء للأرض.. وللثقافة.. واللغة…
فهن جذور الانسانية للمجتمعات الخالدة…وهن مقومات الأفراد لتشكيل المجتمع المترابط القوي .. الأرض هي الحدود والجغرافية والعمل…
والثقافة هي الانتماء الفكري الثوري القابل للتطور والنهضة بالمجتمع يتقدمه المفكرون والعلماء إصلاحا وتقدما ورقيا بكوادر متعلمة ومدربة وهدفها النهوض بفكر المجتمع بواسطة أكاديميات علمية متعددة الاختصاصات والبحوث…واللغة هي الأداة الأهم للإبدع الفكري وخلق جيل يرفد جيلاً من المثقفين والمبدعين الشعراء والأدباء والفلاسفة الأشد تأثيراً بالفكر المجتمعي حتى يقال لهم إنهم عقل المجتمع المدبر.وهو غاية الانتماء وأشرفها وأقواها إذا عملت في أي مجتمع زادته تلاحماً ورقياً وتعاوناً ومحبة وحرية، فالحرية الفكرية أقدس مايكون للفكر المبدع والخلاق… لذلك يسمى الانتماء الفكري أرقى انتماء بين أفراد المجتمع المبدع.. به تتلاقح العقول. وتولد الأفكار المبتكرة والحيوية ..
باللغة كانت الكلمة. وباللغة كانت الثوابت العقلية.. والموروثات التاريخية على الرُقُم والألواح الطينية لمبادئ وتشريعات قانونية وإنسانية … ولو لم يعرفوا قدرها وأهميتها لما أورثوها كمبادئ للأجيال منذ آلاف السنين وتحديداً منذ خمسة ألف عام قبل الميلاد حين بدأت الحضارة السومرية
فيها كانت الناس تبتعد عن النملة خوفاً من قتلها .. وسميت تلك الحضارة آنذاك…بأنها أرقى وأعظم حضارة إنسانية جاءت على الأرض…
العدد 1169 – 28-11-2023