الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم :
هي غزّة كغيرها من المدن العربية التي ذاقت مرارة الاحتلال ، عانت من الظلم والقهر ، عانت من الحصار والجوع ، أطفالها ، رجالها ، نساؤها لم يهنوا ..لم يلطموا الخدود ندباً ونواحاً لإيمانهم المطلق بحقّهم في العيش الكريم فوق أرض ٍ طاهرة ، يحلمون كغيرهم من شعوب الأرض بوطن ٍ حرّ مستقل ، لا احتلال فيه ولا تهويد ، لا قتل ولا مجازر …لكنّه الاحتلال الصهيوني البغيض سرق فرحة الأطفال وحنان الأمّهات بممارساته العدوانية من بطش ٍ وقتل ٍ وتدمير ..؟!
لقد طالت سياسة الكيان العنصرية كلّ مقومات الحياة ، طالت البشر والشجر والحجر ..
ولأنهم أبناء الشمس والحضارة والتاريخ ، انتفض أهل غزة ومعهم كلّ الشعب الفلسطيني لمقاومة المحتل فكانت الإنتفاضة الأولى (انتفاضة الحجارة عام ١٩٨٧) والانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠)
ولأنهم أصحاب حق ، أصحاب الأرض الحقيقيين ، أصحاب القضية العادلة قدّم الشعب الفلسطيني ولايزال التضحيات الجسام من أجل الحريّة والاستقلال .
ورداً على سياسة العدو الوحشية كانت العملية النوعية للمقاومة (طوفان الأقصى )في السابع من تشرين الأول ، والتي كانت طوفاناً حقيقياً ضد الصهاينة ومستعمراته وسياسته ، حيث شكّلت ضربة قاصمة للكيان وجعلته يتخبط في سياساته وردوده الوحشية ، فكان قرار العدو إعلان الحرب على غزة وشعبها ومقاومتها .
هذا الشعب الذي يعاني من الحصار منذ ٢٠٠٥ حيث لا غذاء ولا ماء ولا دواء ، وبالرغم من كلّ هذه السياسات اللانسانية بحق شعب سُرقت أرضه وحقوقه ، ويُمارس عليه الظلم والقهر والاضطهاد يومياً ، فإن الجرائم والمجازر لم تتوقف يوماً بحق هذا الشعب الذي رفض الذل والخنوع والاستسلام وسياسة الأمر الواقع ..!!
وحتى يمتص قادة العدو نقمة المستوطنين، لم تتورع آلة الحرب الصهيونية عن ارتكاب أبشع المجازرفي المدن والبلدات الغزاوية حيث طال العدوان المستمر منذ أكثر من شهر المباني السكنية والمدارس ودور العبادة ، حتى المشافي ومراكز اللجوء كانت هدفاً لطائرات وصواريخ العدو والتي زادت من معاناة الشعب الفلسطيني في التشرد والقهر والجوع والمرض لدرجة تهديد الكيان بضرب قوافل المساعدات الإغاثية المتجهة إلى غزة ..؟!
وإزاء الصمت الدولي والموقف العربي الخجول الذي اكتفى بالاستنكار والتنديد وإصدار البيانات ، على جرائم ومجازرالعدوفي غزة والتضليل الإعلامي للغرب وقلب الحقائق وتحويل الضحية إلى جلاد وإرهابي فإن المقاومة الفلسطينية قررت ووفت بوعدها فكان الرد على جرائم العدو وإلحاق الوجع في مدنه ومستعمراته ومستوطناته بوابل من الصواريخ التي أصابت أهدافها بدقة ودمرت آلياته ودباباته التي حاولت التوغل في غزة .
وحده محور المقاومة أعلن الجهوزية التامة للتدخل وردع العدو من خلال عمليات نوعية في الجنوب والجولان ، والتأكيد أن قواعد الاشتباك قد تغيّرت ، والمقاومة تمتلك من القدرات الكافية لإجبار المحتل على التراجع والاعتراف بهزيمته .
واليوم تمضي المقاومة بعزيمة أبنائها في خوض معركة الحرية والاستقلال وثأراً للشهداء والجرحى وحزن الأمهات وهي أكثر ثقة بأن عملية طوفان الأقصى هي الجسر الذي يشكل نقطة عبور إلى فضاءات الحريّة والسلام .
صحيح أن غزة صغيرة بمساحتها (٣٦٠)كم٢ ، لكنّها كبيرة بشعبها ومقاومتها التي آمنت بأن كلّ السياسات مع هذا الاحتلال غير مجدية ولا سبيل لتحرير الأرض إلا المقاومة والتي هي السلاح الأمضى لنيل الحرية والاستقلال .
ورغم الجرائم والمجازر البشعة وسياسة الأرض المحروقة التي يتبعها الكيان الصهيوني في عدوانه على غزة، ورغم الآف الشهداء والجرحى فإن عزيمة هذا الشعب لم تفتر يوماً لثقته المطلقة بعدالة قضيته، رغم صمت المجتمع الدولي الذي يقف متفرجاً على مجازر العدو اليومية بحق الأطفال والشيوخ والنساء والتي اختلطت أجسادهم بالإسمنت والتراب
هي غزة ، غزة هاشم ، الغافية على المتوسط، تحلم بالحرية والعيش بسلام بعيداً عن القهر والظلم ، يحلم أطفالها بان تكون صباحاتهم نقية بعيدة عن تلوث الاحتلال ، ويحلم فلاحوها بأن يزرعوا بيارتهم زيتوناً وليموناً بعيداً عن عنجهية الاحتلال ..
هي غزة لا بدّ أن تشرق صباحاتها الجميلة بعزيمة أبنائها الشرفاء ومقاومتهم الوطنية وشعبها الأبي الصامد ، الشعب الذي لا ينحني ولا يلين ، الشعب الذي كان وسيبقى (شعب الجبارين ).
العدد 1169 – 28-11-2023