الثورة – رفاه الدروبي:
رياض صالح الحسين- شاعر سوري ينحدر من بلدة مارع بريف حلب، ولد في درعا ومات في دمشق، يُعدُّ من أهمِّ روَّاد الشعر العربي الحديث. تميَّز بقصائده النثرية ذات الكلمات البسيطة والإيحاء العميق، على الرغم من كونه عاش معظم حياته غير قادر على السمع والنطق. كان إبداعه حديث ندوة نقدية في ثقافي” أبو رمانة” شارك فيها الأديب عماد نداف والدكتور بكور عاروب.
الأديب نداف استهلَّ حديثه عن حياة الشاعر وأهميّة تجربته كونه عاش عمراً قصيراً؛ وتوفى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، حيث عاصر أسماء كثيرة ذات مقامات عالية من الشعراء كأبي القاسم الشابي، ورامبو ورمسيس يونان. كان يمكن أن يكون نجماً في بساطة عمره وشعره وتأتأته، ومتميزاً وسط حركة الناشئة فطرح مفهوم الثورة الشعرية بأسلوب طفولي واستشراف للمستقبل، وعبَّر ببساطة وحرية عن أفكاره ورسالته في الحياة فأنشد يقول:
سيأتي الأعداء مساء
كقطيع ذئاب كاسرة
يلتهمون بيوت الطين
وكاسات الأطفال
ورأس الجندي
وأكَّد النداف على استخدامه مفردات لأول مرّة في الشعر فكان واضح الرؤى، يحمل شعره حكايات ساعدت على تخليد أدبه واستيعابه ووصوله إلى الناس بسرعة، ومن صوره الشعرية قوله:
يركض في عينيه كوكب مذبوح
وسماء منكسرة
يركض في عينيه بحر من النيون
ومحيط من العتمة الطبقية
في عينيه أيضاً
تركض صبيَّة جميلة بقدمين حافيتين يُغنِّي:
لقد كانت طريّة.. طريّة
كالثلج والينابيع
لقد كانت سنبلة طريّة
ولذلك التقطتها بمناقيرها العصافير
لقد كانت طريّة.. طريّة
تركض بقدمين حافيتين فوق سهل أجرد
كما بيَّن بأنَّه طرح صورة شعرية جديدة في النثر، وقدَّم رأيه بجرأة فكسب احترام أقرانه له.
بدوره الدكتور عاروب أضاء أثناء حديثه جوانب من إنسانية الشاعر، ورأى أنَّه يحمل بين جانبيه النقيض ذاته، مُنوِّهاً بأنَّ الأمور المتراكمة نتج عنها الانفعال الشديد والألم من واقع عاشه وأراد أن “يفتح نافذة في كلِّ جدار، وأن يضع جداراً في وجه مَنْ يُغلقون النوافذ”.
كما أشاد بمدى التزام الشاعر في كتاباته عن الحبِّ كونه يُمثِّل العدل ويعني الإنصاف؛ ولم يكن مبادراً في صيغة الحداثوية في البنيوية والتشكيل فطرح أنموذجاً جديداً في أدب قصيدة النثر وسبقه شعراء وأدباء كانوا رواداً في الحداثوية بالفترة ذاتها، منتقلاً إلى ما يميز لغته المنقولة من عالم التقعر اللغوي إلى بساطة الخطاب الإنساني.
ثم تناول الحديث عن مفرداته بأنَّه أبدع في الصورة ولم تكن معهودة من قبل فاستخدم لغة سلسة عميقة ملتزمة تحدَّث من خلالها عن مشاكل عالمية، مشيراً إلى ارتباط المعرفة والكتاب بحياته فصنع الصورة الهجائية بنفسه ولا يمكن لشاب بعمره أن يأتي بتراكميتها العجيبة فانعكست القراءات في المنظور المعرفي وانتقل إلى عالمية الرؤية في فترة من حياته كانت توحي بالعالمية فعندما كان يتحدث عن سورية يعني بكلامه كل العالم منطلقاً من جغرافية الإنسان وليست مخصصة بمنظار ضيق.
ورأى الدكتور عاروب أنَّه طرح بساطة الخطاب الفني البسيط في إطار بنيوي ووعي شعري أتى في مكانه المناسب، فكان متصالحاً مع ما يعانيه من الألم بكل عنفوان في النص، رابط الجأش لا يرتعد من الموت؛ بل ينتظره كالجندي برؤية القادم وبشعورٍ أبصر نهايته من خلال ما قرأه بجدٍّ وبنفس مفعمة بالرضا؛ وكانت لديه رؤية وطنية بعموم النظرة ويضعنا أمام مسؤولية لا تُمثِّل أحداً إنَّما وطن.