الثورة- رفاه الدروبي:
“وتبقى القدس لنا قبلة” أمسية شعرية خُصِّصت في أغلبها لطوفان الأقصى، شارك فيها الشعراء صالح هواري، أسامة حمود، خلود كريمو، هناء داود، بقصائد جديدة من وحي أحداث غزة، تناولت أغلبها معاني البطولة والفداء في ثقافي أبو رمانة. الشاعر الفلسطيني ذو المقام العالي صالح هواري اتصفت كلماته الفصيحة بالجزالة والتَّميُّز والتفرُّد في صوغ العبارات الشعرية المبتكرة، وبراعة في توليد الصور الفنية المشحونة بظلال أحاسيسه وعواطفه،
فالصورة الشعرية عنده ليست مُتْرفة أو عابثة أو لاهية، وإنَّما موظفة تشعُّ بالدلالات والإيحاءات والرموز القريبة التناول يفهمها السامع أو القارئ منذ اللحظة الأولى فيسكبها حبراً على الورق بقصائد جديدة تفخر ببطولة غزة ودمشق المُساندة لحقِّها حتى النصر والحرية. وأشار بتصريح لـ “الثورة” إلى أنَّ الكتابة لغز يضيء استجابةً من الشاعر لحدث جلل لم نعبِّر كما يجب عن عواطفنا تجاه الطوفان العظيم لكنَّه رفع معنوياتنا لأنَّه من صنع المقاومة، ويدلُّ بأنَّ فلسطين تتحرر، وشعبها في غزة عانى وما زال يعاني من إجرام المحتل وقتله للأطفال والمدنيين وقصفه للبيوت والمساجد والمشافي، لافتاً إلى أنَّ الشعراء يكتبون ما يشعرون به، فالطوفان لايمكن أن يُعبّر عنه بكلمات. كل شاعر يستفرد بنفسه بكتابة القصيدة فيبدأ إبداع الصور التي تلوح في مخيلته لكن القدرة تتفاوت بين شاعر وآخر لأنَّ عملية الإبداع ليست ديمقراطية يتساوى فيها جميع الناس وإنَّما لكل شاعر لغته ومنهله الشعري وصوره واستجاباته. أنشد قصيدة عنوانها باب العمود:
تباركت انتفاضات الأسود
تزيح الليل عن باب العمود
صبرنا ليس إلَّا بعد الصبر
إلا قطاف الصبر عن شجر الصمود
دماء المقدسيّ ومن سواها
يسلُّ البرقَ من بين الرعود
وتركَّزت قصائد الشاعر أسامة حمود حول ما يجري على أرض غزة، واصفاً إياه بالموقف المضيء لأننا نرى عدونا للمرّة الأولى يُذلُّ بكل معانيه مهما كانت النتائج، إنَّها بحدِّ ذاتها نتيجة، ولابدَّ أن نتذكَّر عزتنا وكرامتنا وقوتنا، ونؤمن بأنَّنا قادرون على دحر كل غريب عن أرضنا المحتلَّة، لافتاً إلى أنَّ المعاني تجسَّدت في بطولات يُسطِّرها مقاتلون لايمتلكون ما تمتلكه الجيوش المتقدِّمة في الأيام الراهنة لكن لديهم الصبر والإرادة والقوة والإيمان بقضيتهم فالمعطيات لا يمتلكها عدونا، وبالتأكيد بائد وفي طريقه إلى نهايته المحتومة، فالحق لابدَّ أن يعود إلى أصحابه وتكون كلمته مدوِّية ملء الأفاق.
كما بيَّن الشاعر حمود بأنَّ الرمز حاضر دائماً في قصائده المنظومة على بحر الشطرين، مشيراً إلى اتهام البعض للقصيدة الخليلية بأنها غير قادرة على مواكبة الحداثة، لكنَّه يُؤكِّد بأنَّها الثوب المناسب لكلِّ مقاس وفي كلِّ زمان ومكان وحدث، فغنَّى قائلاً:
كالطود شامخةأبناؤنا هم
فتيانها شهبٌ، أطفالها عجبُ
حراس عزتنا أسطورة نقشت
تاريخها شرف أخبارها دهبُ
هذي فلسطين ما لانت عزيمتها
يوماً ولا افترَّ في إصرارها نصبُ
بينما تمحورت قصائد الشاعرة خلود كريمو حول بطولة “طوفان الأقصى” مُتضمِّنةً معاني الألم والحزن لم أصاب غزة من جراح وأسى، عاتبةً على الجميع تقصيرهم تجاه إغاثتها وتحريرها، لكنها بثَّت مشاعر الأمل والتفاؤل بالنصر في ثنايا كلماتها المنظومة على بحر الشطرين، مُنوِّهةً بأنَّها لم تكتب يوماً لمجرد الكتابة بل نزف الروح على الورق، فأنشدت تقول:
عُتبى علينا غزة العرب
ويحق فينا كثرة العتب
لبيك غزةُ واغفري نزقي
هذي الجراح تنزُّ بالغضب
شقَّت على عيني رؤيتها
أغمضت لكن كيف لم تغبُ
في ختام الأمسية ألقت هناء داوود من الحسكة نصوصاً غزلية اتسمت بقوة المفردات والجرأة والخروج عن المألوف، بعد أن خلعت عن الأنثى رداء الضعف والعجز وقلة الحيلة وأظهرتها بموقف المنتصر والمالك لزمام الأمور.