الثورة- فاتن دعبول:
حكايات تروى، ومشاعر ما تزال تسكن الذاكرة، وما بين الدمعة والذكرى، كانت الحكاية التي كتبت لتوثق لحظات أحدثت جرحا يأبى أن يغادر الروح، ومن حكاياتهم صاغوا حب الوطن فكانوا الفائزين بالحب والحكاية والأمل بأن القادم هو الأجمل.
وعلى مدرج مكتبة الأسد الوطنية كان اللقاء للاحتفال بفوزهم على تحديات الحرب وعاديات الزمن أولا ومن ثم فوزهم بجائزة” هذه حكايتي” لعام 2023 لأفضل قصة واقعية قصيرة، والتي أصبحت” وثيقة للوطن”
فريق توثيقي
وبينت د. بثينة شعبان رئيس مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن، أنه في الوقت الذي مازال السوريون يلملمون جراحا تسببت بها حرب إرهابية ظالمة عليهم، ويسكبون دماء الجرحى والشهداء الطاهرة حبرا ينسجون به حكاياتهم الصادقة، نرى العدوان الصهيوني الغاشم يشن حرب إبادة وتطهير عرقي على فلسطين في غزة والضفة، لم يشهد التاريخ مثيلا لها، فقد طالت وحشيتهم المشافي والكوادر الطبية والإعلامية والمنازل الآمنة والمدارس وسط صمت عالمي مخز، ودعم غربي بالسلاح الحديث ووسط حملة تضليل وكذب وافتراء يقوم بها الإعلام الغربي.
وأضافت أن هذا العدوان كشف وحشية نظام الأبارتيد الصهيوني، ما يجعلنا نتوقف عند الدروس المستفادة، وأولى هذه الدروس مستمدة من الدعم العسكري والسياسي الغربي لجريمة الإبادة لعشرات الألاف من الأطفال والنساء والمدنيين، وعدم وجود رأي عام حقيقي في هذه الدول، والدرس الثاني يتمثل في حجم التضليل الإعلامي والافتراء لأجهزة الإعلام الغربية المتصهينة التي تمنع نشر الحقيقة، والأهم من ذلك وفي كل معركة تحرير يخوضها المقاومون، يجب أن يكون بجانبهم فريق توثيقي يدون تفاصيل ما يجري من الناحية العسكرية والمجتمعية والإنسانية.
جنود مجهولون
وأشارت رئيس مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن أنه في العام الخامس لجائزة” هذي حكايتي” تكتشف المؤسسة الآلاف من الجنود المجهولين نساء ورجالا ممن صمدوا وضحوا بصمت، مدفوعين بواجب الانتماء لهذا البلد وحمايته من كل ضيم، وأن تدفق القصص عاما بعد عام يبرهن أن عطاءات الشعب في سورية لا تنضب، لأنه مؤمن بها ومتجذر بين حبيبات ترابها ومستعد دوما للذود عنها بروحه إذا اقتضى الأمر.
ولأن التوثيق هو الهوية وهو الذاكرة والتاريخ، تسعى المؤسسة إلى توثيق مناحي الحياة كافة، وعليه كان من الأهمية بمكان إنشاء مركز تدريب، وقد نجحت مؤسسة وثيقة وطن بافتتاح هذا المركز لتخريج خبراء حقيقيين في التأريخ الشفوي وإجراء المقابلات والبحث العلمي والأرشفة والتصوير والمونتاج والتصميم.
وتوجهت بدورها بالشكر إلى لجنة التحكيم التي لم تأل جهدا في قراءة القصص واختيار الفائزة منها بكل أمانة واقتدار، وإلى أعضاء مجلس أمناء مؤسسة وثيقة وطن على جهودهم في رفد المؤسسة بكل قيّم وجديد.
التاريخ نكتبه بأيدينا
وبين موسى الخوري مدير المشاريع في مؤسسة وثيقة وطن أن المؤسسة أشهرت في العام 2016 بهدف توعية المجتمع السوري بأهمية أن نكتب تاريخنا بأيدينا، ونؤسس للتأليف الشفوي الذي أصبح علما قائما بذاته، له مدارسه ومناهجه، وعليه قامت المؤسسة بتأسيس فريق يعمل على التوثيق والمقابلات والخروج إلى المحافظات، وبدأ التوثيق للتراث الكنسي السوري، والتراث السرياني واللغة السريانية، إضافة إلى تأريخ السيَر الذاتية، وتوثيق الحرب على سورية التي طالت المجتمع جميعه ولاتزال آثاره موجودة من خلال مكونات المجتمع كافة.
هذا إلى جانب مجوعة كبيرة من الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة ومنها إصدار الكتب والمنشورات التي تعبر عن مشاريعها، والتعاون مع مديرية الزراعة والأمانة العامة في توثيق التراث اللامادي وتحديدا” تراث المونة” وتوثيق الحرف اليدوية.
وفيما يخص جائزة” هذه حكايتي” هي جائزة ليست أدبية بالمعنى الأكاديمي، لكنها جائزة للتوثيق، لتشجيع الناس على إدراك أهمية كتابة المذكرات ومشاركتهم في كتابة التاريخ.
ومن معايير هذه الجائزة، أن تكون واقعية، فيها من التفاصيل والقرائن والبعد الإنساني، وتعبر عن مواضيع يعيشها الإنسان السوري بشكل يومي، وهذا ما اتضح بتصريحات المشاركين في المسابقة” في مشاركتنا كنا نسعى لإيجاد من يسمعنا وتصل قصتنا للجميع، وليس هدفنا الجائزة”.
وأضاف: أن الجائزة في هذا العام توزعت على أربع فئات عمرية، وثلاثة فائزين لكل فئة، تقوم لجنة متخصصة في اختيار الحكايات الفائزة، وفق تصنيف” الجائزة الذهبية، الفضية، البرونزية” وبلغ عدد الفائزين 17 فائزا.
محطات في الذاكرة
وفي كلمة أصدقاء الوثيقة تحدثت الدكتورة دلال السلطي مديرة دار القدس للطباعة والنشر عن محطات في حياتها بدأتها بالوعي على آثار النكبة والتهجير القسري من فلسطين، وانتقالها إلى السعودية ومن ثم إلى دمشق لتدرس الطب، ومن تأسيسها لدار النشر لإيمانها بدور الكلمة الملتزمة.
هذا إلى جانب أعمالها الإنسانية التطوعية في المخيمات الفلسطينية، ودورها في معالجة المصابين، والوفاء لسورية وعدم مغادرتها رغم الحرب التي فقدت على إثرها ابنها، فقد استشهد في المعركة، وكان خياره أن يلتحق بالجيش العربي السوري علما انه وحيد ومعفي من الخدمة الإلزامية، لكنه أصر على خوض المعركة، فنال شرف الشهادة، ليمنحها لقب” ام الشهيد” كما تفضل أن تلقب.
الشعوب تدون تاريخها
وتوقف نبيل صالح في كلمة لجنة التحكيم عند أهمية توثيق الشعوب لتاريخها، وبين أنه خلال آلاف السنين من الصراع البشري، كان المنتصرون هم من يكتبون التاريخ، فكان تاريخا يناسب هواهم ويجمّل أعمالهم، اما اليوم فإن الشعوب هي من باتت تدون تاريخها، وتوثق حياتها بوساطة أفرادها الذين يشكلون مادة الأحداث وشهودها، وهم الأكثر قدرة على رؤيتها وروايتها.
وأشار بدوره إلى أن السوريين قد دخلوا على خط توثيق أيامهم وأعمالهم بشكل منهجي وعلمي وديمقراطي عبر مؤسسة وثيقة وطن للتأريخ الشفوي، والتي فتحت الباب للمواطنين كي يكونوا جزءا من تاريخ البلاد الذي عاشوه وشهدوه، وليس المطلوب من صاحب الحكاية أن يكون كاتبا، فقط يكفي صدقيته ودقته في تصوير ما عاشه أو قام به، وفي كل عام نصدر كتاب” حكايتي” بهدف تغطية ما أمكن من الأحداث اليومية التي تجري على الأرض السورية.
الفائزون
ومن ثم كرمت مؤسسة وثيقة وطن الفائزين بجائزة” هذي حكايتي” للعام 2023 لأفضل قصة واقعية قصيرة، وبلغ عددهم 17 فائزا، ففي الفئة الأولى من الأعمار دون 18، كانت الجائزة الذهبية لحنين سليم” والجائزة الفضية مناصفة بين إبراهيم أحمد وللملقب بالابن البار، كما منحت الجائزة البرونزية مناصفة بين لجين اللحام وبشر حامد.
وفي الفئة الثاني للأعمار بين” 19 حتى 30″ كانت الجائزة الذهبية لمحمود حيدر، والفضية لربيع حميشة، وذهبت البرونزية مناصفة بين معاذ جبارة وزينب الحبش.
وعن الفئة الثالثة للأعمارمن”30 وحتى 45″ نال أحمد حلاق على الجائزة الذهبية، ومتيم العلي الفضية، أما البرونزية فمنحت مناصفة لعلا محمود وفردوس نعمان.
أما في الأعمار ما فوق 45 فقد ذهبت الجائزة الذهبية إلى إيمان الدرع، والفضية مناصفة لمعين صالح وطليعة الصياح، ومنحت البرونزية لسلاف السلامة.
وعبر الفائزون في لقاءاتهم للثورة عن أهمية توثيق ما حدث، لأن كل حكاية هي وثيقة بحد ذاتها، تقدم للأجيال القادمة صورة مشرقة عن نضالات الشعب في سورية، وفي الآن نفسه صورة لما خلفته الحرب الظالمة من دمار وخراب ما تزال آثارها ماثلة للعيان.
تضمن حفل توزيع الجوائز فيلما تعريفيا بمؤسسة وثيقة وطن ومشاريعها والقائمين عليها، وفيلما قصيرا للتعريف بالفائزين، واختتم الحفل بتوزيع الجوائز على الفائزين وتكريم أعضاء لجنة التحكيم بشهادات شكر وتقدير.