حسن حميد: الفلسطينيون يقاتلون العدو الإسرائيلي وهم يحدقون في المرآة السورية.. وكل كتاباتي وثقافتي جندتها لقضيتي الفلسطينية
الثورة- عمار النعمة:
عندما قرأت روايته (جسر بنات يعقوب) التي حصلت في ألمانيا على جائزة نجيب محفوظ لعام ١٩٩٩، ومن ثم رواية (مدينة الله) التي توثق حجم المأساة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي توقفت طويلاً أمام هذا السرد الشائق، والوصف العميق، واللغة الجميلة واللافتة… كيف لا وهو الذي يكتب بقلبه وروحه فتميز بتقديم النموذج الروائي في صورته وتداعياته وصراعاته الداخلية.
إنه حسن حميد الكاتب والروائي الفلسطيني الذي قدم الكثير، فكان ومازال من الأسماء الحاضرة بيننا المجددة والمبدعة في كل مكان.
صحيفة الثورة التقته فكان الحوار التالي:
١- فلسطين والمخيمات حاضرة في معظم أعمالك، ماذا تخبرنا عن تلك المرحلة؟
أنا عشت وتربيت وتعلمت واكتسبت الخبرات في المخيم الفلسطيني، خاصمت وأحببت وفقاً لمعايير المخيم ومقاييسه، ابتعدت واقتربت وفق متطلبات المخيم، وكتبت عنه الكثير لأنني عشت فيه وعرفت مراميه.
مكان طارىء خال من الناس والشجر والطيور، أسسه الفلسطينيون على عجل، ولكن بما يليق بثقافته وحضارة ساكنيه، بيوته خيام لا يليق بها أن توصف بالبيوت، لأن البيوت لها سقوف وجدران وأبواب ونوافذ، الخيام لا سقوف لها ولا أبواب ولا نوافذ، لكن الفلسطينيين جعلوها بيوتاً.
الخيمتان الكبيرتان في المخيم كانتا: للمدرسة،والمستوصف الطبي.
عرفت الخيمة الأولى: المدرسة، ولم أعرف الخيمة الثانية/ المستوصف الطبي، ما كنت بحاجة للذهاب إليها، لأن شمس المخيم اللاهبة كانت الطبيب الطبيعي لي ولأبناء جيلي آنذاك، اكتفيت من الأدوية بحبة زيت السمك التي كانت توزّع علينا نحن الطلاب في المدرسة صباحاً، وعرفت من لذيذ الطعام كأس الحليب التي كانت المدرسة توزّعها علينا في الصباح أيضاً..
أحببت المخيم وكرهته معاً، أحببته لأنه بيتي الذي ما عرفت سواه من قبل، وكرهته حين وعيت وعرفت البلاد الفلسطينية، إذ كيف لمن كان يعيش في حيفا أو يافا أو طبريا في بيت من حجر، له أبواب من خشب السنديان، ونوافذ من زجاج، وسقف من باطون الإسمنت أن يحب المخيم، المكان الذي لا حدائق فيه، ولا ملاعب، ولا شجر، ولا طيور، وقد أحببت المخيم حين صار مقلعاً للمهندسين والأطباء والمعلمين والفنانين والشعراء والأدباء والفدائيين والشهداء… لقد غدا المخيم رمزاً لفلسطين، ورمزاً للكرامة، ورمزاً للعودة إلى البلاد الفلسطينية العزيزة.
سلخت من عمري 30 سنة وأزيد وأنا أكتب عن المخيم، عن الحياة والعادات والتقاليد والأمزجة، عن العقلاء والمجانين فيه، وعن العشق والموسيقا والفنون.
٢ – ذهبت إلى تجارب الأدباء الذين سبقوك، أمثال جبرا إبراهيم جبرا، وغسان كنفاني، ومحمود درويش، ورشاد أبو شاور، وخالد أبوخالد، ماذا استنتجت، وهل انطلقت من نصوصهم ؟ وهل انعكس ذلك على إبداعك ؟
أحببت أدباء فلسطين، شعراء وكتّاباً، مثلما أحببت الفنانين والقادة والشهداء، قرأت كل ما وقع بين يديّ من الأدبيات الفلسطينية/ حلالاً أوبطرق ملتوية.. إذا كانت الحال الاقتصادية على طالب مثلي- ابن فدائي صعبة جداً/ لهم قرأت الكثير، حتى تجرأت أن أقتحم الورق لأكتب سطوراً أولى أنسبها لنفسي.
قرأت لكل هؤلاء الأساتذة ما مكنني من معرفتهم، عدا جبرا إبراهيم جبرا، لأن من هم أكبر مني حذروني من قراءة كتبه لأنها خالية من أي بعد فلسطيني، ثم لأنها منصرفة إلى الإباحية، وقد وضعوا اسمه في القائمة السوداء التي ضمّت: نزار قباني، وكوليت خوري، وغادة السمان..الخ.
ولم أقرأ جبرا إلا بعد وقت متأخر، وقد اكتشفت أنه أستاذ هؤلاء جميعاً وكبيرهم من الناحية الفنية والرتبة الجمالية.
كل تجارب أولئك الأدباء والشعراء أثّرت في تجربتي وأغنتها، لقد قرأت الأدب الفلسطيني قديمه وجديده، وجعلته متراسي الأدبي وقد سعيت بكل طاقتي وعشقي للأدب أن ألحق بهم لأكون في عدادهم، إنهم أساتذتي.
٣ – أنت كاتب مهموم بالقضية الفلسطينية، هل عالجت في كتاباتك بعض الجوانب من هذه القضية ؟
كل كتاباتي الأدبية، وثقافتي، جندتها لقضيتي الفلسطينية، ولكم تمنيت أن أكون أكثر من فرد لأخدم قضيتي، لأن ما فيها من التراجيديا يفوق أي تراجيديا في العالم كله، ولأن أحلامنا كبيرة، وقد واجهتها عقبات عجيبة وغريبة من الغرب الذي يتحكم بمسارات العالم جذباً ونبذاً، ومن هذا الغرب الذي قفز من فوق كل القوانين الوضعية، والقيم الإنسانية، والشرائع الدولية..كي يرضي الإسرائيليين، أمّا الفلسطينيون فلا يلتفت إليهم، والدليل الأحدث هو ما يفعله الغرب من مخاز يلفها العار والشنار والصفاقة، أن قادته يهرعون للمشاركة في مجلس الحرب الإسرائيلي للتوجيه والإفادة، ووضع كل مقدراتهم بين يدي جيشهم الدموي ليقتل ببراعة، ويدمر ببراعة، ويشرد ببراعة أكثر.
لا بد لنا أن نكتب عن عماء الغرب، وعن قلة أدبه وأخلاقه..وانحيازه للبربرية الإسرائيلية التي هي ثقافة هذا الكيان منذ 75 سنة.
٤ ماذا تقول اليوم أمام مانراه ويحدث في غزة ؟
طوفان الأقصى حالة نضالية فلسطينية أخرى من أجل العودة الفلسطينية، ومن أجل السيادة الفلسطينية، ومن أجل الجغرافية الفلسطينية، ومن أجل الكرامة الفلسطينية.
إنها جولة نضال ذات خصوصية، وذات أهمية، وذات نتائج مبهرة في معاداة العدو الإسرائيلي وصده، وطيّ عربدته.
الآن وبعد 90 يوماً وأكثر من بداية طوفان الأقصى، يشعر المرء بأن البلاد الغالية/ فلسطين/ تحتاج إلى تضحيات غالية وعزيزة.
نحن، ومواكبة لطوفان الأقصى، نكتب الشعر، والمقالات، والزوايا، واليوميات، وسير الشهداء، والبيوت، والمشافي، والمدارس، ودور العبادة، والمقابر التي اتسعت إلى حدٍّ ما كان أحد يتوقع تصاعده، لكن الكتابة عن/ طوفان الأقصى/ ستكون طوفاناً مشابهاً لأن ما أبدته من المعاني، والغنى، والجسارة، والعناد الوطني..كبير القيمة، عالي الرتبة.
٥ – كلمة أخيرة إلى سورية وفلسطين.
مما يجعل النفس راضية هو أن أهل المظلومية شكلوا محوراً لمقاومة الظلموت الإسرائيلي الذي يوزع شروره على المنطقة كلها، ويزيد في سعاره لأنه لا يوجد من يردعه بقوة القانون الدولي..ولا بقوة حقوق البشر أصحاب التاريخ والحضارة.
الفلسطينيون اليوم، وهم يقاتلون العدو الإسرائيلي، يحدقون في المرأة السورية..وما فيها من مقاومة باسلة هزمت قوة الغرب وشروره، مثلما هزمت أحلام الإسرائيليين في سورية والمنطقة.