الثورة- فردوس دياب:
رافق التقدّم العلمي المتسارع مجموعة من المشكلات التي من شأنها، إما صقل شخصية الفرد أو إضعافها، إضافة إلى الحروب وما نتج عنها من مشكلات اقتصادية واجتماعية وإنسانية ألقت بظلالها على العالم، ولم يكن مجتمعنا السوري بكلّ فئاته بمنأى عنها، خاصة أنه لايزال يعاني منذ نحو 13 عاماً من حرب شرسة مع الإرهاب، ما جعل شريحة كبيرة من أفراده تحت تأثير التوتر النفسي والعديد من المشكلات النفسية.
تعريف “التوتر النفسي” وآثاره وأشكاله والعوامل المؤدية إليه وكيفية التعامل معه، كان محور لقائنا مع الدكتورة الأستاذة في كلية التربية بجامعة دمشق دعاء شلهوب.
اختلال التوازن
الدكتورة شلهوب اعتبرت أن التوتر النفسي يعد أحد المواضيع الهامة التي يبحثها علم النفس بشكل عام والإرشاد النفسي بشكل خاص، وهو يعد من أكثر المصطلحات استخداماً في حياتنا اليومية، ومع ذلك لايتناول بشكله الصحيح دائماً حتى من المتخصصين، وأحد أسباب الخلط في استخدامه هو أن يستخدم أحياناً للدلالة على القوة المحدثة للاضطراب ،وأحياناً أخرى للإشارة إلى اختلال التوازن، وفي مرات أخرى يستخدم ليشير إلى جهود الفرد في التكيف وإعادة التوازن، ومن ثم إن التوتر النفسي عامة يعتبرعملية تفاعل بين الفرد والموقف.
وعرفت التوتر النفسي بأنه حالة من الإحساس العام باختلال التوازن على الصعيد النفسي أو البيولوجي يصحبه التأهب والاستعداد من جانب المرء لتغيير سلوكه بغية التصدي لعامل ما يهدده في وضعية حقيقية أو متخيلة.
الأسرة والبيئة الخارجية
وعن العوامل المسببة في إثارة التوتر النفسي، قالت الدكتورة شلهوب: إن هناك عوامل ترتبط بالشخص نفسه، لجهة الطريقة التي يتعامل بها مع التوتر وهذا مرجعه إلى الفروقات الفردية، حيث لكلّ فرد سمة فردية تميزه عن الآخرين وتؤثر في تعامله مع التوتر وطريقة استجابته لها.
وهناك عوامل تتعلق بالبيئة الخارجية، منها الأسرة (ذلك أن الشعور بالتوتر النفسي قد يبدأ منذ الطفولة نتيجة لأنماط سلبية من التربية والتعامل بين الآباء والأمهات من جهة والأُخوة من جهة أخرى)، ومنها البيئة الاجتماعية (فقد تختلف شدة التوتر النفسي باختلاف البيئة التي يعيش فيها الشخص، وكذلك باختلاف الثقافة الاجتماعية المحيطة به)، ومنها أيضاً المشكلات الصحية (فهناك علاقة متبادلة بين التوتر والمشكلات الصحية من حيث السبب والنتيجة، فالأمراض الجسدية والحالات الصحية كالصداع وارتفاع ضغط الدم ومشكلات النوم، تؤثر في الشخص سلبياً وتجعله في حالة من التوتر، وكذلك الأمراض المنتشرة التي أدّت إلى انتشار حالات من التوتر بين الأشخاص مثل وباء كورونا، إذ فرض على الجميع عزلة ومن ثم ازدادت الضغوط النفسية والصحية مما أثر سلباً في الأشخاص).
وبينت الأستاذة الجامعية أن المستقبل المجهول بالنسبة للأبناء بشكل عام والطلبة منهم على وجه الخصوص، يعتبر من أكثر الأمور التي تثير “التوتر النفسي”، وكذلك انتقال بعض الطلبة للحياة بعيداً عن أسرهم ومشاركتهم الآخرين في السكن الجامعي، والتعرف على أصدقاء وزملاء جدد، والأعباء الدراسية والمناهج التعليمية الصعبة، وبحث بعضهم عن عمل في أثناء الدراسة لتأمين مصاريف الدراسة وصعوبة التنسيق بين وقت الجامعة والعمل قد يسبب لبعضهم درجة عالية من التوتر النفسي.
يضعف المناعة
وعن آثار التوتر النفسي، قالت الدكتورة شلهوب: إن له آثاراً سلبية تظهر بشكّل واضح عند الأفراد الذين يمارسون أعمالاً تتطلب جهوداً ذهنية غير اعتيادية، فعند تعرضهم لمشكلة ما تحدث عمليات معقدة في الدماغ فتحفز الهرمونات في المنطقة المسؤولة عن التذكر والتعلم، وان استمرار إفراز الهرمونات، قد يؤدي إلى نتائج معكوسة ما يؤدي إلى ضعف الذاكرة، وعدم القدرة على التعامل الإيجابي مع الذات ومع الآخرين.
كما أن للتوتر النفسي- بحسب الدكتورة شلهوب- آثاراً جسدية ضارة، كضعف الجهاز المناعي إصابة الشخص بالصداع، ويؤثر على النوم من حيث جودته ومدّته إذ يزيد من إنتاج هرمون التوتر الذي يعيق النوم ويصبح الدماغ أثناء التوتر النفسي أكثر يقظة فيزيد معدل ضربات القلب ويصبح التنفس سريعاً إذ يفرزالأدرينالين فيضعف عمل الجهاز المناعي والجهاز الهضمي ويزيد إفرازهرمون الكورتيزول المسؤول عن التوتر وارتفاع ضغط الدم وزيادة ضربات القلب.
يحفز على الإنجاز
وكما أن للتوتر النفسي آثاراً سلبية، أوضحت أن له آثاراً إيجابية، منها دفع الإنسان إلى بذل المزيد من الجهد البناء والمفيد للوصول إلى هدف معين، فالتوتر هو شعور موجه دائماً نحو المستقبل، وينتهي بانتهاء الموقف أو الحدث، إذ يشعر الشخص بعده بالراحة، فشعور التوتر يأتي لتوخي الحذر، وهو شعور طبيعي بحدوده المقبولة ، كذلك فان للتوتر النفسي جانباً إيجابياً كالضغط لإنهاء مهمة معينة وتحديد المواعيد النهائية، وهذا يحفز نحو الإنجاز والعمل، وهذه الدرجة من التوتر النفسي، تؤدي إلى تحسين جودة الحياة مع ذلك يجب الحذر من نقطة تجاوز مستوى التكيف والتي تتسبب في التحول السريع للتوتر من الإيجابي إلى السلبي.
الطاقة الإيجابية
وعن طريق التعامل مع ” التوتر النفسي” أكدت الاختصاصية في كلية التربية أن الأسرة تعد البيئة الاجتماعية الأولى التي تشكل بنية الشخصية لأبنائها على نحو مباشر أو غير مباشر، إذ تؤثر أساليب التنشئة الأسرية التي تتبعها الأسرة في التوافق النفسي لأطفالها من حيث إشباع حاجات الأبناء بطريقة سوية من دون إفراط أو تفريط وبشكل متوازن حسب أولوية الحاجات وأهميتها، ذلك أن جو الأسرة المتمتع بالصحة النفسية يتصف بالمرونة الكافية للتوافق مع تغيرات الأدوارالحياتية في كلّ المراحل والمتطلبات المستجدة، إضافة إلى الانفتاح على العالم المحيط وفرصه وتحدياته والتعامل الإيجابي معها هذا ما من شأنه تخفيف درجة التوتر النفسي.
ويعتبر العلاج المعرفي السلوكي من أهم الطرق التي يتم التعامل بها مع الأشخاص الذين يعانون من توتر نفسي، وهو عبارة عن علاج مبني على التقنيات التي تساعد في التقليل من المشاعرالسلبية التي تؤدي إلى تصورات غير دقيقة للأحداث واستبدالها بإستراتيجيات إيجابية تمكن الشخص من التكيف مع المواقف المحيطة كمعالجة المعتقدات والمخططات المعرفية واستبدال السلوكيات التي تمنع الشخص من التمتع بالرفاهية النفسية ويعتمد نجاح هذا العلاج على الدعم الاجتماعي المقدّم للشخص واكتسابه مهارات التأقلم الأساسية.
كما يساعد الاسترخاء وهو تقنية نفسية فيزيولوجية- بحسب الدكتورة شلهوب- على الاستراحة والتفعيل الإيجابي للطاقة العصبية والبدنية التي تتدخل عند إنجاز نشاط معين، فمن المفيد للإنسان أن يأخذ وقتاً مستقطعاً لنفسه في أثناء يومه فيمارس الاسترخاء الذي يساعد على الحدّ من المشاعرالسلبية والشعور بالهدوء وتقليل التوتر.