أشير في زاوية الأسبوع الماضي إلى أن أهمية الأرشيف السينمائي الفلسطيني (المنتج في سورية) لاتتعلق بالأرقام فحسب، وإنما بالنوعية أولاً، فهذه الأفلام تمتلك حرية رحبة في تقديم مقولاتها، لايتوفر ما يشبهها في الأفلام التي صنعت داخل أراضي فلسطين التاريخية من قبل سينمائيين فلسطينيين يطلق عليهم إعلام العدو اسم (عرب إسرائيل)، مازالوا مقيمين في الأراضي التي استبيحت عام1948، برغم كل المحاولات التي لم تتوقف يوماً لإبعادهم عنها، ولا ريب أن السماح لفلسطينيي 1948 بالعمل في السينما، وكذلك تشجيعهم على مشاركة أفلامهم (النادرة بكل الأحوال) في المهرجانات العالمية تقف وراءه أسباب سياسية وإعلامية لا تخفى على العارف بالفكر الصهيوني الذي يحاصر السينمائيين الفلسطينيين تحت الاحتلال بجملة من الممنوعات السرية والمعلنة تحرمهم حرية التعبير، وقول ما يرغبون حقاً بقوله.
من جهة ثانية قدمت السينما السورية أهم الأفلام الفلسطينية (لجهة الجودة) وأكثرها ملامسة لقضية الشعب الفلسطيني، حيث إن الكثير من الأفلام العربية الهامة ذات العلاقة بالموضوع الفلسطيني (كالأفلام المصرية مثلاً) تطرقت أساساً إلى علاقة هذا الموضوع بالمجتمع المصري، وتأثيراته على الحياة المصرية بحكم الدور الكبير لمصر قبيل (كامب ديفيد) في الصراع العربي – الصهيوني، أما في الحالة السورية فإننا إضافة لحضور فلسطين، بشكل أو آخر، في القسم الأعظم من الأفلام السينمائية السورية، نجد أيضاً عدداً هاماً من الأفلام السينمائية السورية التي تكاد أن تكون (لشدة صلتها بالمجتمع الفلسطيني) أفلاماً فلسطينية منتجة في سورية، كثلاثية «رجال تحت الشمس» التي ضمت ثلاثة أفلام عن المقاومة الفلسطينية: «المخاض»لنبيل المالح و«اللقاء» لمروان المؤذن و«الميلاد» لمحمد شاهين، وفيلم «السكين» لمخرجه خالد حمادة عن رواية «ما تبقى لكم» للشهيد غسان كنفاني، وفيلم «المخدوعون» للمخرج المصري توفيق صالح، عن رواية «رجال في الشمس» للشهيد غسان كنفاني أيضاً، وقد اعتبر من بين أهم مئة فيلم في تاريخ السينما العربية، وفيلم «كفر قاسم» من تأليف وإخراج اللبناني برهان علوية، وفيلم «الأبطال يولدون مرتين» عن قصة «سرّ البري» لعلي الزين العابدين الحسيني وإخراج صلاح دهني، والفيلم السوري- الإيراني «المتبقي» للمخرج الإيراني سيف الله أداد عن رواية الشهيد كنفاني أيضاً «عائد إلى حيفا».
إلى جانب الأفلام الروائية الطويلة هناك قائمة كبيرة من الأفلام القصيرة والتسجيلية التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما حول فلسطين إضافة لفيلمين روائيين أنتجهما القطاع الخاص هما« ثلاث عمليات داخل فلسطين» من إخراج الفلسطيني محمد صالح كيالي و«عملية الساعة السادسة» من إخراج سيف الدين شوكت، ثم هناك ما أشير إليه سابقاً وهو حضور القضية الفلسطينية بشكل غير مباشر في القسم الأعظم من الأفلام السينمائية التي تناولت مواضيع سورية، مثل فيلم المخرج مروان حداد : «الاتجاه المعاكس»، وفيلمي المخرج عبد اللطيف عبد الحميد: «ليالي ابن آوى» و«رسائل شفهية»، وفيلم «الترحال» للمخرج ريمون بطرس، وفيلم «شيء ما يحترق» للمخرج غسان شميط وفيلم «مريم» للمخرج باسل الخطيب.
يشير حضور فلسطين في السينما السورية، إلى «أهمية التداخل الوجودي الفلسطيني والسوري في النص السينمائي» على حد تعبير الناقد السينمائي الفلسطيني بشار إبراهيم في كتابه الهام «فلسطين في السينما العربية»، كما يترجم حضور فلسطين في السينما السورية (كما في الدراما التلفزيونية السورية والفن التشكيلي السوري) حقيقة حضورها في حياة السوريين، بحكم التواصل التاريخي بين سورية وفلسطين، وإيمان السوريين العميق بعدالة القضية الفلسطينية، إضافة إلى إدراكهم الأخطار الكبيرة التي شكلها إقامة الكيان الصهيوني على الواقع العربي عموماً، والواقع السوري ضمناً.