الثورة _ فردوس دياب:
تعد التربية الجنسية للأبناء- ولاسيما في مرحلة المراهقة- من الأمور الهامة والضرورية التي يغفل عنها الأهل، لأنها تساهم وبشكل فعلي في بناء شخصية متوازنة وسليمة، لكن ما يجهله كثيرمن الآباء والأمهات أن هذه التربية يجب أن تبدأ من الطفولة وليس عندما يصبح الأبناء في مرحلة المراهقة، لأنها امتداد واستكمال للتربية النفسية والجسدية والاجتماعية لأبنائنا.. وحول هذا الموضوع التقينا اختصاصية في التربية الخاصة وعدداً من الأمهات.
العيب والخجل
السيدة ريهام محمد- أم لأربعة أبناء ،اثنان منهم في مرحلة المراهقة، تحدثت عن معاناتها الكبيرة مع ولديها المراهقين لأنها تخجل من الحديث معهم فيما يخص الأمور والمواضيع الجنسية التي هم أحوج ما يكونون إليها في هذا العمر، وهذا مرده إلى عدم تربيتهم جنسياً منذ طفولتهم.
وهذه السيدة حالها كحال الكثيرين الذين التقيناهم للحديث عن هذا الموضوع الذي صنفه البعض في خانة “العيب والخجل” لكي نناقش به أبناءنا، ومرد ذلك بحسب البعض الآخر غياب الوعي المجتمعي بضرورة وأهمية طرح هكذا مواضيع مع أبنائنا ومنذ نعومة أظفارهم.
منذ الطفولة
عضو الهيئة التدريسية في كلية التربية (قسم التربية الخاصة) بجامعة دمشق الدكتورة هلا البقاعي بينت في حديثها لـ “الثورة” أن التربية الجنسية للأبناء يجب أن تبدأ منذ الطفولة، عندما نربي طفلنا على أن جسده له خصوصية، ولا يمكن لأي إنسان أن يشاهده، وأن هناك أعضاء من جسده خاصة جداً لا يجب لأحد أن يراها أو يلمسها إلا الأبوان، وإن قام أحد بلمسه أو محاولة الكشف عن جسده يجب عليه أن يصرخ ويخبر والديه لأن هذا أمر خاطئ.
وتابعت: إن الكثير من الوالدين في مرحلة الطفولة يهتم بجميع جوانب التربية لدى أبنائهم، ويصرفوا عليها من الماديات الكثيرة، لكي ينمو طفلهم جسدياً ونفسياً وصحياً واجتماعياً بشكل متوازن، لكنهم يُغفلون جانباً هاماً من جوانب التربية لدى أبنائهم وهو التربية الجنسية، وهذا النقص يكتشفه الأهل في مرحلة المراهقة، فيجدون أنفسهم أنهم بحاجة إلى معرفة الكثيرعن هذا الموضوع، موضحة أن الاهتمام بـ”التربية الجنسية” يجب أن يبدأ منذ الطفولة، وليس في مرحلة المراهقة التي يرافقها حدوث التغيرات الجسدية والجنسية والهرمونية، لكي يتفادى الأهل الكثير من المشكلات التي يمكن أن تواجه أبناءهم في هذه المرحلة.
التهرب يؤدي للمجهول
وشددت الدكتورة البقاعي على ضرورة أن يقوم الوالدان بالتحدث مع أطفالهم عن هذه الأمور بأسلوب تربوي وعلمي وعدم التهرب من أسئلتهم حول المواضيع الجنسية، لأن هذا يأخذهم إلى المجهول، لأنهم سوف يقومون بالبحث عن مصادر أخرى للإجابات بعيداً عن الأهل، سواء من زملائهم وأصدقائهم أم عبر محركات البحث المعرفي ووسائل التواصل التي جعلتهم عرضة للانحراف أكثر، وهذا بدوره يأخذهم إلى أماكن أخرى خارج سياق هذا الموضوع قد تكون أكثر خطورة على تربيتهم، لذلك يجب على الأهل أن يوفروا مساحات آمنة للسؤال لأبنائهم عن كلّ ما يسمع ويرى ويتبادر لأذهانهم.
وأشارت إلى أنه يجب على الأهل التفريق بين “التربية الجنسية” و”الثقافة الجنسية” التي يختصرها البعض بالعلاقة الحميمية بين الزوجين، وهذا خطأ شائع فالتربية الجنسية لا تقتصر فقط على العلاقة بين الرجل والمرأة فهي أبعد وأعمق وأشمل من ذلك بكثير، وتبدأ من مرحلة الطفولة المبكرة، وتستمر كل العمر، لأنها جزء من أجزاء التربية وتقدّم معلومات علمية صحيحة مفيدة ومصطلحات ومفردات تتعلق بالبلوغ وإعطاء الجنسين كلّ ما يربي أو يضبط الدوافع الجنسية عند الإنسان وفق ما تتطلبه المعايير والضوابط المجتمعية والدينية ضمن المحيط الذي يعيش فيه الفرد.
برامج تدريبية
وبينت أستاذة التربية الخاصة أن بعض الآباء والأمهات يجدون صعوبة في مجال التربية الجنسية، لأنهم أصلاً لا يملكون مفاتيح تقديمها لأبنائهم لأنهم لم يتلقوها بالشكل الصحيح من أهليهم، وهذا ما يفرض عليهم الاهتمام جيداً بهذا النوع من العلوم التربوية التي تهتم بهكذا مواضيع، لأنهم سوف يكونوا مصدراً لهذه المعلومات لأبنائهم، مؤكدة أنه لا يوجد تبرير لأي من الآباء والأمهات لجهلهم بهذا الموضوع حتى لو كان هذا المبررالمعروف والسطحي جداً للكثير منهم وهو الخجل.
وأكدت أنه يتوجب على الأهل الخضوع لبرامج تدريبية تربوية لكي يتغلبواعلى تلك المعوقات عند الحديث مع أطفالهم بهذه الأموروكيف يرممون النقص الذي لديهم ويتعلمون المصطلحات العلمية الصحيحة وكيف يستثمرون المواقف الحياتية اليومية حتى يعطوا تربية جنسية سليمة.
وختمت الدكتورة حديثها بالقول: إن التربية الجنسية لا تكون بمحاضرة أو درس أو عبارة، بل تقدّم من خلال جرعات متتالية وواقية للطفل.