طرطوس – بشرى حاج معلا:
تتعدد أبعاد الأمراض لتطال المجتمع وأفراده في ظل ظروف متعددة اقتصادياً أو اجتماعياً أو غيرها، حتى بات السؤال في الفترة الأخيرة: ترى هل تمرض المجتمعات..؟
يمكن الحديث بشكل مباشر دائماً عن أمراض عدة تصيب أفراد المجتمع، ولكن هل وصل بنا الحال فعلاً للحديث عن مجتمع مريض؟ من هو المجتمع المريض؟.. وهل من الواجب أن يكون المجتمع متعافياً كي يكون أفراده أصحاء..؟
أسئلة باتت في داخل كل فرد وعلى عتبات كل لسان فهل نجد لها جواباً؟!
التقليد يحاكي كل شيء
وحول هذا الأمر أشار المدرب الدولي في علوم الطاقة الدكتور سمير هادي في حديثه لـ”الثورة” إلى أن الأمراض الاجتماعية لا تقل تأثيراً عن الأمراض الجسدية والنفسية، بل ربما تكون نتاجاً لخلل نفسي، إما عن قصد أو من دون قصد، فبتنا نرى كثرة المرضى الاجتماعيين من حولنا الذين يمتهنون الكذب والسرقة والغش وغيرها من الأمراض أو الآفات الاجتماعية التي بدورها تنعكس سلباً على المجتمع ككل، فأصبحت كعمليات تجميل تعكس الجمال الخارجي بعيداً عن جمال الروح، منوهاً بأن هناك عدة عوامل قد تكون سبباً لتفشي الآفات والأمراض الاجتماعية، فمنها النرجسية، فيميل الشخص النرجسي إلى الظهور بمظهر الكمال أمام الآخرين بغض النظر عن الطريقة، فنراه متباهياً بما يملك وما لا يملك.
ولفت الدكتور هادي إلى أنه لا يمكن أن نتناسى ما ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، فالمراهق يرى شخصاً قريباً من عمره ويمتلك الكثير من المال، فيحاول تقليده بطرق وأساليب غير سليمة، وكذلك الفتيات يتأثرن بما يرونه من مشاهير فترتدي البعض منهن أجمل الثياب وأغلى الإكسسوارات.
ومن هذه الأمثلة الكثير، وكل هذا يكون تأثيره مضاعفاً على فئة المراهقين والشباب، أي من عمر 15 إلى عمر 30، وفي هذه المرحلة من عمر الإنسان تبدأ عملية التكوين والحالة الاستقلالية، وتكون قابلية الشخص لتقليد وتبني الأفكار مرتفعة جداً وخصوصاً ممن يراه قدوة له كفنان أو مشهور أو أيّ مؤثر على السوشيال ميديا.
وأكد المدرب هادي أنه من الواجب أن ندرك تماماً أهمية الحفاظ على مجتمع معافى وسليم، لأن المجتمع يبدأ من الأسرة أولاً وقبل كل شيء، فالمتابعة الأسرية للأطفال وتنشئتهم بالشكل الصحيح يكون عنصراً فعالاً ليكون المجتمع مستقبلاً أقل عرضة لوجود أمراض اجتماعية فيه، وعلى الإنسان في كل مراحل حياته العمرية أن يتقبل واقعه ويطمح بالتغيير والتحسين بناء على قدراته وإمكانياته وما يناسبه هو، بعيداً عن غيره فما هو مناسب لك قد يكون ليس مناسباً لغيرك.
وأضاف: إن الإنسان الواضح البعيد عن التزييف والنرجسية والتقليد والتباهي والتفاخر والكذب وغيره من هذه الصفات يكون أكثر ثقة بنفسه وأكثر قرباً من الآخرين وعلى قدرة كبيرة للوصول لطموحه وأهدافه، فالجوهر والمضمون أهم وأعلى شأناً من المظاهر الكاذبة.
الشكل على حساب المضمون
وخلال جولة “الثورة” على العديد من الأطباء النفسيين أشاروا إلى أن المجتمع لديه مظاهر عدة، ولا يتم التقييم لمعظم الحالات وفق معايير ثابتة حقيقية، ولكن وفق استيفاء مظاهر الشكل، فطالما استوفيت الأوراق أو المظاهر فلا يهم بعد ذلك أي شيء حتى أصبحت حياتنا أشباه أشياء في كل المجالات، ومعظم الأشخاص باتوا كالآلات بلا روح، كأي مجتمع في العالم، نعم لدينا نواقص، لكن بالتربية السليمة للأفراد وملاحظة الخلل في الحياة يؤهلنا إلى فهم حاجاتنا وفهم المجتمع وسلوكيات أفراده.
فيما أشار المرشد الاجتماعي طلال يوسف إلى أنه عندما يتم الرصد في الأفراد حالات العشوائية النفسية والاجتماعية وحالات التناقض بين الفعل والقول، فإننا نتوقف ونبادر بالعلاج، لكن الحقيقة أنها في المجتمع أولى وأهم، لأن علاج المجتمعات أصعب من علاج الأفراد وأكثر تعقيداً لأن علاج الأفراد يحتاج إلى الطبيب النفسي وعلاج المجتمع يحتاج أن ينهض بكليته لعلاج نفسه.
ولإزالة هذه المظاهر لا بد أن يكون المجتمع سليماً اقتصادياً، متوازناً اجتماعياً وصحيحاً أخلاقياً.
أخيراً.. يمكن القول: إن التظاهر الاستعراضي الهستيري الذي يستخدمه البعض في الأفراح وكذلك الأحزان لا مبرر له ربما، فقد أضحى التباهي جزءاً من استعراض العضلات لإحساس بالنقص، إذ يتخيل أن المجتمع يعوضه من خلال مظاهر كاذبة بائسة، لأنها تخفي وراءها هشاشة نفسية مرعبة، في ظل تواجد حالة الاضطهاد والإحباط خاصة بعد ما أشاعته الحرب علينا من اضطرابات ونواقص مادية ومعنوية أدت إلى فجوات عميقة بين الطبقات الاجتماعية وبين أفراد عدة.