الملحق الثقافي- خالد عارف حاج عثمان:
الرواية في كتب اللغة ومجالات الاصطلاح: في لغة السرد الروائي نقرأ /الرواية/ مصدراً للفعل الثلاثي الناقص اللفيف المقرون والمتعدي (روى)..أي قصة طويلة أو مسرحية…كما جاء في»معجم المعاني الجامع»..
ونقرأها-ولو عدنا إلى ميدان-اللغة- فإنّا للرواي، أكثر من دلالة أو معنى في إطلاقاتهم، فالراوي:»هو الرجل المستقي.. ورجل رواء، إذا كان الاستسقاء بالرواية صناعة».
ويقال:(روى فلان فلاناً شعراً)، إذا رواه له حتى حفظه عنه، وقيل:(رويت الحديث والشعر روايةً فأنا راوٍ.)…
ونقرأ الرواية- اصطلاحاً إبداعياً أدبياً: بأنّها سلسلة من الأحداث تُسرد بسرد نثري طويل يصف شخصيات خيالية أو واقعية وأحداثاً على شكل قصة متسلسلة، كما أنها أكبر الأجناس القصصية حجماً، وتعدد شخصيات وتنوع أحداث، وأول ماظهرت في أوروبا بوصفها جنساً أدبياً مؤثراً في القرن الثامن عشر، والرواية حكاية تعتمد السرد وصفاً حواراً وصراعاً بين الشخصيات وما سوى ذلك من عناصر السرد الروائي.
وإذ نتصفح الرواية في تعددها النوعي معنىً وفكراً..وموضوعات ..
تبرز لدينا الرواية: العاطفية (الرومانسية)
البوليسية
التاريخية
السياسية
الوطنية
الواقعية…وغيرها
-الأبداع الروائي السردي السوري.
واقع المسرود..توصيفه..مشاكله توجهاته والمأمول منه..
وإذ تطرح صحيفة الثورة الغراء/ ملف الإبداع الروائي في سورية/ عبر ملحقها الثقافي الاسبوعي فإنما لتبرز هذا الفن المستحدث عربياً وسورياً وتجلّي صورته على الساحة الثقافية والإبداعية لدينا..
فإذا قرأنا آراء بعض الأدباء والكتاب والقراء ممن أتيح لنا التواصل معهم وقفنا عند واقع روائي عربي سوري مازال يحبو..في ميدان المسرود الروائي..وإن وجدت بعض التجارب التي أثبتت وجوديتها في مضمار هذا الفن:
*- تألق مشهود للرواية السورية
هكذا بدأت الكاتبة عائشة السلامي حديثها عن واقع الرواية في سورية…وتتابع:
لقد شهدنا على مر العصور الحركات العلمية والأدبية على هذه الأرض المعطاءة ابتداءً من جدنا فينيق صانع الأرقام والحروف إلى يومنا هذا، وقد عُرف عن الشعب السوري شغفه للمعرفة والقراءة حيث ترك لنا الأجداد إرثاً كبيراً- عبر التاريخ- من المخطوطات والمنحوتات الأثرية، وهذا جيلنا اليوم يواكب مسيرة الأجداد في طريق الثقافة والمعرفة وقد شهدت الساحة الأدبية التألق في فن الرواية ونسجها وصرنا نسمع في المنابر الثقافية عن أسماء جديدة نضحت من بئر الخيال حكاياها وجسدتها أرواحاً بين دفتي كتاب لتسرد أجمل القصص والروايات وكان علينا أن نوضح أهمية الرواية في حياة المجتمعات إذ إنها تصوغ الكثير من الاجتهادات في العادات والتقاليد وتحافظ عليها من خلال الشخصيات التي بُنيت عليها تلك الحكايات، وهناك أسماء كثيرة تلألأت في هذا المجال مثل الكاتبة السورية(مي عساف) بنت مدينة الحسكة التي برعت في نسج روايتيها: (أحزان وطن )(-وشقائق النعمان ) وقد استوقفتني روايتها/ أحزان وطن/ التي تتحدث عن الفتاة المسماة» وطن» والتي جاءت بعد طول انتظار وتربت في بيئة صحية بين أم وأب مثقفين وميسوري الحال وكيف بدأت تتلقى صدمات الموت والفراق إبان الحرب على سورية حين فارقت خطيبها بالموت أثناء هجرته ثم فقدت والدها في تفجير إرهابي وبعدها تفارق والدتها على أثر إصابتها بمرض عضال وتصمم أن تواصل مسيرة جامعتها لتحصل على شهادة الحقوق مضمون../ القصة ممتع فهو مجموعة اسقاطات من واقعنا على شخصية الفتاة والبنوتة وطن وإثبات قيم الصداقة و المحبة من صديق والدها
حين يتبناها اجتماعياً في كل المواقف الأبوية.
ما استوقفني في رواية الأديبة/ مي عساف/ تلك الأخلاق الراسخة فينا كسوريين والتي لن تمحوها حرب أو تهجير… تلك القيم الموروثة دينياً وأخلاقياً سوف تبقى ما بقي السوريون على قيد أبجدية وحرف.
*-إشراقات وقفزات وتجارب نوعية روائية سورية.
…الأديب والناقد والطبيب زهير سعود يفتح أمامنا سجل التجربة الروائية السورية قائلاً :
من الطبيعي أن نجد قفزات تراكمية على مستوى كتابة الرواية في سوريا، ذلك لإن هذا الإنتاج الإبداعي شهد له مواقع مميزة في مستوى الأداء اللغوي السوري، ونحن لو بدأنا بأصل الرواية فالرواية ولدت من رحم الملحمة الشعرية، وأول ملحمة شعرية أنتجها التاريخ وأنتجت من صلبها العديد من الأعمال القصصية هي ملحمة «جلجامش السورية».
وفي الحديث عن نشأة الرواية الغربية مع «دون كيخوت سرفانتس» فمن المفيد التذكير بأن أول عمل روائي عالمي لم يكن «دونكيخوت» كما زعم النقّاد الغربيون، بل رواية «الحمار الذهبي» للوكيوس ابوليوس «الأمازيغي»، ونحن نسوق هذا التأكيد لإثبات انحياز النقد الأدبي الغربي للمنجز الغربي المستوحى، فديكاميرون «جيوفاني» وليد شرعي لحكايا «ألف ليلة وليلة». وبالعودة للرواية السورية فإن أول عمل روائي عربي من إبداع سوري أيضاً وهو لفرنسيس «الحلبي» المتوفي بالعام /1873، وهو بعنوان «غابة الحق» تلاه الكاتبة السورية اللبنانية «زينب فواز» في «حسن العواقب» عام /1899، وقد أثبت كتابي «فن القصّة من الملحمة إلى الومضة» الخطأ التاريخي باعتبار قصة «زينب» للكاتب المصري «محمد حسن هيكل» هي أول عمل روائي عربي، وقد وضعها بعد وفاة زينب فواز بالعام /1914، ولو أخذنا في الحسبان بأن زينب فواز كتبت باسم مستعار بسبب المنع العثماني الحاكم لظهور شخصية أنثوية، فإن رواية زينب لهيكل تكاد تروي قصة زينب فواز وتوقها للحرّية، حيث شهدت حياتها نشاطاً مميزاً في هذا المضمار، وقد فصّل في الأمر كتاب «فن القصّة من الملحمة إلى الومضة»، ولو استرسلنا في مسيرة الإبداع الروائي فقد شهدت الساحة السورية العديد من الكتّاب القديرين قديماً وحديثاً، منهم العجيلي وزرزور ومينا وحيدر والراهب، ثم وفي العصر الحديث ظهرت إصدارات مميزة لكل من سوزان خواتمي في «ربع وقت»، وبشير البكر في «آخر الجنود»، وهيثم حسين في «إبرة الرعب» ويوسف دعيس في «باب الأبواب». ومن اللائق التذكير بمنافسة الرواية العربية «بوكر» الأخيرة في العام /2022. والتي أبقت على ستة عشر عملاً روائياً من بين أكثر من مئة عمل حضر المنافسة، وكان من بين الأعمال الفائزة ثلاث روايات سورية، هي «البحث عن عازار» لنزار أغري، و»أين أسمي» لديمة الشكر، و»المئذنة البيضاء» ليعرب العيسى. أخيراً وكما أن قصيدة النثر والشعر الحرّ لم تذهب ببريق الشعر العامودي، على الرغم من وفرة مرتادي تلك الفنون، فالمقارنة تكاد تكون متطابقة مع اهتمامات السرد بالقصة القصيرة والقصيرة جداً، دون تغييب عظمة الإنجاز في الإبداع الروائي السوري…
وهكذا تتوافق الآراء في بعض مناحي واقع وصورة المسرود الروائي السوري مابين قارىء وأخر..أو منتج مبدع وآخر..
هذا وإن اختلفت الآراء وتباينت فيما يخص السرد الواقع والأفاق..إلا أنه لايمكن حجب الشمس بغربال ونقصد أن هناك تجارب سردية روائية سورية أثبتت موجوديتها على الساحة الثقافية والإبداعية السورية والعربية الأمر الذي يحفزنا إلى نهيب بالسارد السوري كي يغني المكتبة العربية والسورية والعالمية بروائع سردياته.
العدد 1176 – 30 -1 -2024