الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
هل بقيت أقلام الروائين السوريين ثابتة خلال الحرب، وهل يشهد الإبداع الروائي في بلدنا حالة من النشاط وقراءة في خطوطه العريضة وتوجهاته؟ ولماذا استوقفتنا روايات دون أخرى؟
صعود ملحوظ
الروائي عماد نداف رأى بأنَّ الإبداع الروائي في بلادنا يشهد نشاطاً ملحوظاً في الحقبة الأخيرة، ويمكن القول: بأنَّ رواية الحرب ساعدت على النشاط نفسه، فنشر السوريون عدداً كبيراً من روايات الحرب خلال السنوات العشر الأخيرة تجاوزالمائة، ويُعتبر العدد كبيراً وذا ملمح ثقافي ينبغي التوقف عنده على صعيدين الأول: من جهة التعاطي مع الحدث الوطني وتداعياته وانعكاسه على مجمل العملية الثقافية، والثاني:على صعيد الفن الروائي، مشيراً إلى أنَّ الفن في صعود ملحوظ في العالم والمنطقة وفي سورية، واعتبره شكلاً أدبياً يفرض وجوده على الساحة في الأيام الراهنة، ناهيك عن الحرب.
إنّ السرد الروائي بما يصل إلينا من مطبوعات سورية جديدة لافتٌ في محتواه وأسلوبه وأحداثه، وتنوَّعت المنشورات الصادرة على الصعيد ذاته.
وبيَّن الكاتب النداف بأنَّنا نحتاج إلى مجموعة أطر تُحدِّد موضوع النقاش، أولها: أنَّ الرواية الشابَّة، أو رواية المبدعين الشباب تسعى جاهدة لفرض شخصيتها ومحتواها وطموحاتها، ما يعني أنَّ الروائيين الشباب يخوضون معترك العملية الإبداعية بثقة. ثانيها: أنَّ الجهات الوصائية كوزارة الثقافة واتحاد الكتَّاب يفسحان المجال أمام الرواية الجديدة ويشجعان المنتج الروائي بشكل واضح.
كما أكَّد الكاتب عماد على أنَّ اتحاد الكتَّاب العرب في سورية نفَّذ أنشطة واسعة على الصعيد ذاته، وأشار في إحصائياته المنشورة عن مبيعات الكتب في معارضه إلى ازدياد مبيعات الرواية بشكل واضح، وإلى أنَّ الكم أحياناً يفسح المجال لتردي الكيف، ونجده في المنتج الروائي، لكن الرديء قليل على كلِّ حال.
تطور بالنوع
بدوره الناقد أحمد علي هلال قال: صحيح أنَّ مشهدنا الثقافي يشهد تطوراً ملحوظاً على مستوى الأجناس الإبداعية ولا سيَّما الرواية، فقد أصبحت تلفت الانتباه وتثير الكثير من الأسئلة لجهة نوعها؛ وليس عددها، وبصرف النظر عن كاتبها إلا أنَّنا قياساً يعنى بالنسبة والتناسب يمكننا القول بأنَّ ثمة روايات تسعى وبأدوات جديدة ورؤية مختلفة لئن تشي بفرادة أصواتها وأصالة تجربتها ما يميِّز أسماء متقدِّمة بعض الشيء حضوراً يغني المشهد بجديتها وحرارة أسئلتها وأشكال مقاربتها للواقع المعيش على الرغم من أنَّ ثمة غيرها لا ترقى لثمن الورق المكتوب عليه؛ والأمر هنا ليس مصادرة لما يكتب بل معيار فني وجمالي نقيس به تجارب مجانية توسَّلت شهرة بعينها وسعت في أثر جوائز وحضورات؛ لكن الحقيقة أنَّ النشاط عينه كماً وعدداً يستدعي سؤال الإبداع والرؤية أكثرمن حيازته لنبل قضية ذاتها.
وأشار إلى أنَّ فرادة الأصوات تبدو أقل ما يجب لأسباب ذاتية وموضوعية على حساب القيمة الفنية توسلاً لعبورالزمن وامتياز تلك الأدبية بأنَّها أصبحت رهان الممارسة النقدية انتظاراً لما يسفرعنه العدد من نوعٍ؛ بعيداً عن كتابة المصادفة والانشغال بالرواية وحدها على حساب أجناس إبداعية أخرى ما يُسمَّى هجرة الأجناس إلى الرواية، ونزوع معظم الكتَّاب إلى الشغف بالكتابة في الحقل الروائي بوصفه الجاذب والأكثر إثارة للمشهد الثقافي ،أصوات نسوية كثيرة جهرت بتجاربها مع اللغة؛ وقليل منها ينجو ليجهر بأصالة مبدعيها فالأمر سيتعدى الشغف بكتابة الرواية إلى جدارة الأصوات القديمة الجديدة لتنهض بالمشهد الثقافي وتمنحه حيويته وديناميته المنشودة.
كما بيَّن الكاتب هلال بأنَّنا من الصعوبة بمكان إطلاق حكم نهائي على ما ينتح الآن في راهنية المشهد نظراً لتسارعه في مكان؛ وتباطئه في آخر فعلى سبيل المثال يمكننا النظر بكثير من الجدِّيَّة إلى رواية «طابقان» في عدرا العمالية لصفوان ابراهيم، وحكايات «حارة المؤيد» للروائي والقاص عماد نداف، ورواية «الوقت» لهدى فاضل، ورواية «جنوب الكهف بقليل» للأديبة سمر كلاس. الأعمال ستمثل في ذاكرة المتلقي أصالة أصوات مبدعيها ومحاولتهم أن يضيفوا إلى المشهد قيماً فنية وإبداعية.
مكان الصدارة
بينما قال الكاتب والناقد عمر جمعة: ليس مستغربٍاً أن يحتلَّ فن الرواية والإنتاج الروائي اليوم صدارة اهتمام متتبعي النشاط الإبداعي في سورية بعد الكمّ الكبير، وغزارة الإنتاج عينه بعد قلتها في الرواية السورية من المشهد العادي إلى مجهر البحث العربي والعالمي لدراسته وتحقيبه، وكلّ ذلك عائد إلى أنَّ الحرب الممتدة منذ ثلاثة عشر عاماً حتى اللحظة فرضت منطقها ووقائعها وأحداثها المتسارعة المتناقضة المشتبكة على المدونة السردية لصف واسع من الأدباء والكتّاب في سورية وخارجها، معتبراً الملمح الأساس للإنتاج عينه غرقه في توصيف وتوثيق وسرد أحداث الحرب وتداعياتها، ومعاناة السوريين في مختلف بلداتهم ومدنهم وقراهم من موتٍ فتك بأحلامهم والتهمت نيران الأحداث عشرات الآلاف
من مدنيين آمنين، سيصيرون تالياً شخصياتٍ وأبطال عدد كبير من الروايات متناً سردياً استرخى الأغلب الأعمَّ منه على قارعة المباشرة.
كما أشار الكاتب جمعة إلى أنَّ الرواية ذهبت إلى التجديد والتجريب، وخاصة من شريحة الكتّاب الشباب أو الأصوات الروائية الجديدة، كما لمسناه في الآداب العالمية، وهنا لا بدَّ من الاعتراف بأنَّ الروايات المكُتوبة بعد انتهاء الحرب بسنوات، كانت أنضج على المستوى الفني وطريقة صوغ الحكاية وتقديمها للقارئ، واجترح مؤلفوها لغة جديدة مختلفة بعيدة عن التقريرية أو الخطاب الإعلامي، أو الاستغراق في الوصف لأجل الوصف فقط؛ ومن المبكِّر الحكم على السيرورة والمآلات الحقيقية المتوقعة للرواية السورية.
ثم أضاف بأنَّنا لن ننكر صدور 350 رواية خلال السنوات العشر المنقضية -حسب إحصاء أحد النقاد- كانت حدثاً غير مسبوق بحدّ ذاته، ويعتبر مؤشراً بيِّناً على المرحلة الواصل إليها الإبداع الروائي في سورية وإلى أين يتجه، وإن كان لابدّ من أمثلة فلا بأس من الإشارة إلى أن بعض الروايات ذهبت في الاتجاه نفسه منها «لا تبك يا بلدي الحبيب» للكاتب حسن حميد، «ساحة مريم» للكاتبة أنيسة عبود، «آثام» للكاتب سهيل الديب، «جنوب القلب» للكاتب محمد الحفري، «أرض الجهاد» للكاتب محمد الطاهر، «الروح الثامنة» للكاتبة ديمة داوودي، «بين ذاكرتين وحرب» و»طابقان في عدرا العمالية» للكاتب صفوان إبراهيم، «عندما تزدحم دروب السماء» للكاتبة نور كوركو، «كوابيس الأمس» للكاتبة ناديا إبراهيم… وسواها، فضلاً عن عشرات الروايات الصادرة خارج سورية والواقفة طويلاً عند حكايات الحرب ومساراتها.
الأدب نسيج
من جهتها الشاعرة والروائية سهير زغبور لفتت إلى أنَّه عندما نتحدث عن الأدب كنسيج فإننا ندخله من باب عريض يتسع لكلِّ أجناسه المواكبة للعصور منذ أقدمها وحتى عصرنا الراهن، إذ كان لكلِّ حقبة توجهاتها الأدبية المنطلقة من حاجات العصر أو سماته أو ظروفه، وإذا ضيَّقنا حلقة الحديث اليوم لنحصره في الرواية سنجدها لا تنفصل عن بقية أنواع الأدب، فكما أنَّ الشعر كان ديوان العرب ومازال أيضاً كانت ومازالت الرواية تتخذ طابع الزمان والمكان. توجِّه أهدافها لخدمته.. والتاريخ الروائي يشهد لها، وصولاً إلى معاصرتنا للرواية الحديثة في أيامنا الراهنة، لافتةً إلى أنَّ أهمّ ما يميزها تقاطع غايتها مروراً بالأسلوب وحتى تناغم الشخصيات وربما تعود الأسباب إلى حرب حوَّلت كلَّ الرؤى والحروف إلى الحديث عنها وما جرَّته من مآسٍ ودماروهجرات، وعن آثارها الداخلة للبيوت دون استئذان.
وبيَّنت الكاتبة سهير أنَّها ضمَّنت الروايات آمال الناس المتمثلة بأقلام الكتَّاب فروت عن الحبِّ في زمن الحرب، وأحلام الطفولة وسنونوات مهاجرة. روت عن أحياء ابتلعها الدمار وبقي الأمل معلقاً على ناصية الغد بأن تعود عامرة تماماً كالعمران الأدبي لم ينفصل يوماً عن واقعه؛ بل جنَّد كلماته لتكون لسان حاله، منوِّهةً بأنَّ الرواية المعاصرة بحدِّ ذاتها نسيج آخر من كتّاب شباب أيقنوا فن نحت الكلمة من واقعهم؛ وكتَّاب سبقوهم لم يقفوا في زمانهم إنَّما واكبوا كل جديد بحبرهم وبإحساسهم فأصبح الوسط الروائي اليوم ميداناً يعجُّ بالأقلام المبدعة المُتفنِّنة في صوغ الوقائع وكأنَّنا نعيشها كلَّ لحظة واعتبرته الأدب الرفيع حقاً.
العدد 1176 – 30 -1 -2024