الثورة _ ديب علي حسن:
ليست حقول السنابل الأولى ولن تكون الأخيرة لأنها زرع إبداعي تجذر في اللغة والحياة والصدق والقدرة على الوصول إلى القلب والعقل.. ولأنها أيضاً أكثر حقول سنابل الشعر العمودي جمالية في هذه المرحلة التي طغى فيها الزائف على الحقيقي جميل حداد في ديوانه السابع الذي صدر منذ أيام عن دار البشائر في دمشق وحمل عنوان:السنابل السبع وهو يأتي بعد ستة دواوين صدرت سابقاً كان أولها مزن الخريف عام ٢٠١٦م تلاه صدى الحنين، ومن ثم سنابل العمر وبعدها حصاد السنابل يليه البيادر، وليكون السابع بالعنوان الذي أشرنا إليه في هذا الحصاد الإبداعي، ومن دلالات العناوين يبدو ثراء العطاء والحصاد السنبلة التي وإن جفت تملأ الوادي سنابل على قول محمود درويش، فكيف بها وهي تعد بالمزيد كل عام وكل حصاد أكثر وفرة مما قبله، الديوان الذي قدم له الشاعر بكلمات هي من البلاغة بمكان عال كما قصائده يضم القصائد من ١٤٠١ إلى ١٥٦٠ من مجموع القصائد التي فاض بها الشاعر أي بحدود ١٥٩ قصيدة تنوعت بين الشأن الاجتماعي والإنساني والإخوانيات وغيرها من الموضوعات التي أتقدت في قلب الشاعر، كتب الشاعر: أقول بعده أن دواويني ليست سلعتي لأنني أقدمها هدية متواضعة لأصدقائي ورفاقي لعلها تكون سبيلي لاكتساب ودهم وشكرهم، فالشاعر يضوع عطر إبداعه ليكون نسيجاً من نور وألق التفاعل والتواصل في عوالم الجمال الإنساني الثر، بدوره كتب الدكتور فؤاد السيد مقدمة مختزلة لكنها طافحة بالجمال ويخلص إلى القول: في حقل الشاعر الخصب يتواصل النبات وتتوالى مواسم الحصاد ها هي السنابل السبع قد أينعت وحان قطافها الوفير.. وهذا العنوان لم يكن عفو الخاطر بل ينطوي على إحالة إلى معان بالغة العمق والدلالة في ذهن الشاعر، وكان الناقد والشاعر مفيد خنسة قد كتب عن ديوان سنابل العمر قائلاً:(إذاً أستطيع القول واثقاً: إن الديوان الشعري (سنابل العمر) مليء بالسنابل الشعرية في حقول طافحة بالمواسم.. وللمواسم أحوال كما للنفس الشاعرة محطات ومناسبات وعلامات.. الغربة والمحن والصداقات والترحال والأهل والأبناء والأحفاد والأصدقاء والخلان.. أما الأصل في كل هذا لدى الشاعر حداد الوطن وهمومه.. أحوال الناس ومعاناتهم.. إنها قصائد متنوعة تنوع الحياة بكل تفاصيلها وهي في أغلبها تسجيلية تستجيب للحالة الوجدانية التي تؤججها المناسبات المتنوعة.. وتصوغها شعراً سجية شاعر مفطورة ذائقته على الموسيقا الشعرية.. لذلك كثرت القصائد على البحر البسيط ثم البحر الطويل ثم الخفيف، وهذا يتعلق بالذاكرة الحافظة للشعر العربي الأصيل القديم.
شعر جميل حداد يشبهه واضح وصادق وطافح بالعاطفة الإنسانية الجياشة.. حيث يمزج الخاص بالعام.. والذاتي بالموضوعي لتأتي القصيدة لديه أشبه بالقصة لها مبتداها ومتنها ومنتهاها وهو لا يعير كبير الاهتمام للبلاغة والبيان فيها.. فيأتي البيان مع النسيج العام للقصيدة وتأدي البلاغة كحالات من الصحو والإشراق الملهم.. وتكون الدفقة الشعرية مؤاتية لإنضاج السنابل المؤهلة للإثارة والإدهاش في كبريائها وانحنائها من شدة الامتلاء والخصوبة والبهاء، وبالعودة إلى السنابل السبع في النص الثاني الذي حمل عنوان”دروب الحياة يقول الشاعر”: ملهم الشعر للقصيدة دعاني وحباني من فضله في كل حياتي، ثم أمسيت شاعراً بين قومي شجعوني وكنت ند الأماني، وأنا اليوم أنشد الشعر حتى لكأني أحيا بكل مكان..عشت فقر الزمان في كل لون وتجاوزته من دون هوان، وتعلمت أن أكون غنياً يمنح الناس حبه بحنان وامتهنت القصيد باباً فباباً ثم أسديته كريم المعاني أورقت الأباء أشكر ربي رب إرث في طهره أغناني، ودمشق هي عاصمة القلب والروح ومهوى الفؤاد لا تبرح وجدان الشاعر فقد خصها بالكثير من شعره وفي كل دواوينه السابقة، وهي في هذا الديوان أيضاً نور يشع نوراً وحضارة تلد حضارات ..إليك دمشق يأخذني حنيني ليجعلني رهين المحبسين.. فإن لم تقبلي مني حنيني فأنني ماثل بين اليدين.. وجرحك ناطق لايخفي صوتاً وفي قلبي ضناه وصدقيني، والديوان من طعم الحياة الغنية بكل ألوان العطاء للوطن والأهل والأحفاد والأبناء الذين هم السنابل السبع التي تعطر الديوان باسمها، المناسبات كثيرة فجرت كل مكامن الإبداع عند الشاعر من السنابل السبع نقف عند قصيدة وجهها الشاعر لابنته المبدعة والشاعرة والأستاذة الجامعية سلوى وهي أيضاً الروائية المتألقة، حملت القصيدة عنوان: ابنتي الدكتورة سلوى، وقد مهد لها الشاعر متحدثاً عن مناسبتها من القصيدة نقتطف: ذكرنا يا سليمى واذكرينا شوقنا في وجده يمضي إلينا ذكريات واذكري الحب الذي ملأ القلب اشتياقاً وحنيناً اسمك المحفور في مقلتنا يدفع الدمع لكي يحمي الحنينا، فخذي مني كلاماً صادقاً صار قلبي مذ تنأيت حزينا، جميل حداد أطال بعمره هو آخر فرسان الشعر العمودي الذي يتقد في القلب ويخرج نوراً وجمالاً، السنابل السبع ديوان شعري يحتفي بالحياة لأنه ابن الحياة.