ناصر منذر
تعطي إدارة بايدن إشارات متناقضة إزاء ماهية تعاطيها مع الأوضاع الخطيرة في المنطقة، والتي تتصاعد بسبب سياسات واشنطن التدميرية، سواء لجهة مواصلة دعمها لفلول التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها “داعش”، أو الاستمرار في شراكتها بحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي بحق أهالي غزة، أو لجهة العمل على توسيع رقعة الحرب في المنطقة خلافا لكل إدعاءاتها، إذ تأتي سلسلة اعتداءاتها الغاشمة على مناطق في سورية والعراق واليمن، لتثبت مجددا أن السلوك الإرهابي الذي تسير عليه هذه الإدارة هو استكمال لكل تصرفات الإدارات الأميركية السابقة من حيث التشبث بسياسة الهيمنة كمنهج ثابت لا يخضع لأي تغييرات.
الاعتداء الأميركي الآثم على الأراضي السورية، وتحديدا في المنطقة الشرقية، حيث يحارب الجيش العربي السوري ضد بقايا تنظيم “داعش” الإرهابي، يبعث برسالة واضحة بأن المساس بهذا التنظيم ما زال يشكل خطا أحمر بالنسبة لإدارة بايدن، ومن غير المسموح لأحد محاربته باعتباره منتجاً أميركياً خالصاً، وكان لـ بايدن الدور المهم في الإشراف على رعايته وحمايته في عهد إدارة أوباما من قبل، أما الذرائع والحجج الكاذبة التي ساقتها واشنطن لتبرير عدوانها، فهي تأتي للتعتيم على أهدافها الحقيقية من وراء هذا الاعتداء، وأولها حماية “داعش” ليبقى ذريعة أميركية دائمة لإطالة أمد وجودها الاحتلالي، وثانيها تثبيت تموضع إرهابيي التنظيم على طول الحدود السورية العراقية لقطع التواصل بين دول محور المقاومة، وثالثها عرقلة الجيش العربي السوري في استكمال حربه على الإرهاب، لأن اجتثاث هذا الإرهاب يعني القضاء على المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة.
واضح أن الإدارة الأميركية تتعمد جر المنطقة بأكملها نحو التصعيد، وتوسيع دائرة الحرب، وذلك في سياق دعمها المستمر لجرائم الكيان الصهيوني في غزة، وللتغطية على هزيمة قوات الاحتلال الإسرائيلي في الميدان، وفشلها في إحراز أي إنجاز عسكري، لاسيما وأن الاعتداءات الأميركية جاءت بعد أيام قليلة على إصدار محكمة العدل الدولية قرارا يشكل بداية مسار لإنفاذ قواعد القانون الدولي ولإنهاء إفلات “إسرائيل” من العقاب الذي استغلته على مدى عقود لارتكاب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين، وهذا القرار وضع دول الغرب الداعمة للاحتلال الإسرائيلي- وفي مقدمتها الولايات المتحدة- في خانة الإدانة بسبب شراكتها في مجازر الإبادة الجماعية بحق أطفال ونساء غزة.
ولا شك أيضا بأن العدوان الأميركي على مناطق في دير الزور، يأتي استكمالا للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ومن المهم الإشارة هنا، إلا أن إدارة بايدن وحكومة العدو الصهيوني تطلقان الأكاذيب ذاتها لمحاولة تبرير اعتداءاتهما الغاشمة، لإخفاء ماهية الاستراتيجية العدوانية التي رسمتها دوائر القرار الصهيو- أميركي للمرحلة القادمة، والهادفة لإعادة ترميم المشروع الاستعماري المعد لسورية، والذي يراد من ورائه أن يكون مقدمة لتغيير خارطة المنطقة وإعادة رسمها من جديد، على قاعدة تثبيت الوجود الأميركي الاحتلالي لتأمين الحماية المستدامة لما يسمى أمن الكيان الصهيوني، ولمواصلة تهديد دول المنطقة، ومحاولة قطع خطوط التواصل بين دول محور المقاومة التي تشكل حائط السد المنيع أمام المخططات الصهيو-أميركية.