الثورة _ رنا بدري سلوم:
تعثّرت الشاعرة سناء هايل الصبّاغ بكعبها العالي من الحظ في دروب حياة لم تكن سهلة، ومع تعثّرها وصلت إلى حيث تشتهي هناك عند أحلامها المزهرة، فلم يعد بقاموسها – وكما كتبت في نص محاولات:”لم يعد بقاموسي مكان لكلمة مستحيلات”.
لم تخرج الصبّاغ في مجموعتها الشعريّة “شظايا أنثى ووطن” طباعة دار توتول للطباعة والتوزيع والنشر، لم تخرج من كونها أنثى تحكمها العاطفة الجيّاشة، تغدق حباً ورحمةً لعصفورِ الحقل وياسمينة شرفتها وقطّة الدار “كاتي” فأهدت خربشاتها ” إلى التي سهرت معي الليالي أثناء إنجازي لخربشاتي.. إلى الوحيدة التي قاسمتني وحدتي فرمّمت بحناياها شظاياي وداوت انكساراتي.. إلى من كانت أوفى من كلّ البشر وملأت عليّ حياتي إليكِ وحدكِ كاتي”.
حوّلت الشاعرة الصبّاغ أحاسيسها إلى حبر اللغة فرشّت سطور مجموعتها بعطرالوطن وياسمينه وشآمه، فتوحّدت بآلامه حدّ الوجع، فكتبت له في نص “حبٌّ مخضّبٌ بالوطن” عذراً يا عيد العشّاق ترابُ سوريتي ينزف وتنزف معه قلوبنا قبل الأحداق..عذراً يا عيد الحبّ لن أقيم طقوسك الحمراء لكنّي سأصلّي للرّب أن يبدّل موتنا بالحبّ ويقطع نهرالإرهاب من نبع وهاب إلى المصب أن يرأف بوطني ويحذف من أبجديتنا راء الحرب”.
تعيش الشاعرة الوحدة رغم امتلاءات الذاكرة بأغنيات الحياة وسيمفونية الألم وصخب الحبّ، وتسأل في “رصاصة الصقيع” من سيجترح معي ثواني صباحي ويشاركني موسيقا الانتظار ويشّتم عبق عشتاري… وحدها رصاصة الصقيع”. وتقول لرجل كلّ يوم “وشوشتها المسائية ”
“كلّ مساء تخلعُ روحي نعليّ الواقع وأخطوعلى عتبات حلمي حافية من خيباتي أنتظر وقع حروفك على مسامات عشتاري انتظار الصحراء لسراب واحة يبلل طيفك بالأمل وسادتي فأحلم وأحلم حتى تصدّق روحي كذبة حضورك”. وبعد انتظارها العقيم تصنع من صمتها لغة مهيّلة بنار شوقٍ يذيب صفحات الوقت :”الصمت في حضرة الحبّ ..أرحم من صراخ حروفنا على جليد الصفحات.. في حضرة غيابه”.
لن أضيف على مقدّمة الأديب أحمد يوسف داوود الذي أوجز وأصاب، وهي المرة الثالثة التي يكتب فيها مقدّمة لمجموعة شعرية وفقاً لما ذكر في مقدّمته للمجموعة فكتب”تتراوح قصائد الديوان الأساسية بمستويات متفاوتة من الجودة في الحدين الأدنى والأعلى لها دون وجود مآخذ عليها في حدّها الأدنى، ودون وجود سوية فائقة جداً، أو غيرمسبوقة، في التميز الإبلاغي بالنسبة للقارئ المتمرّس الذي تستهويه أصلاً قوة الأداء الإبلاغي للبناء النصي غير المسبوق.!
وبتعبير آخر: إن النصوص في هذا الديوان لا مأخذ على أي منها، بنائياً أودلالياً، كما إن سياق البناء عالي الجودة ليرتقي إلى سويّة أداء بلاغي غير مسبوق، أو غير قابل للسبق صياغة وإبلاغاً في النظرالنقدي من وجهة الفرادة البنائية للإفراد الذي لا يطال ! ولكن في هذه الفرادة غير القابلة لأن تضاهى ربما تتحقق لشاعرتنا في ديوان قادم وغير بعيد إصداره”.
بعين الناقد المتخصص كتب الأديب داوود، أما بعين الأم الأرض والأنثى قرأنا الشاعرة سناء الصبّاغ في نصوص”شظايا أنثى ووطن” كتبته بلسان كلّ أنثى متمرّدة ترمّم انكساراتها بجبروت وجودها وبحلم كلّ رجل هو وطن وضمير، وطن مساحته حريّة، مجموعة شعريّة نرى بها ذواتنا بلامجاملات عراة الروح، تخاطبنا وتسألنا وتترك إشارات التعجّب في نهاية كلّ نص:
أخبريهم يا شآم
أنه قبل الخلق الخلق
كانت ثمّة جنّة
يغفو فيها الجرس
على كتف المئذنة
قبل خلق الخلق
كان الصليب يسبّح
بربّ الفلق!
ونختم الديوان بالحبّ كما بدأناه معها “في يوم الحبّ أبحث عن شخص يحبّني كحبِّ الله للأرض حدّ المطر.
