الثورة – حمص – سلوى إسماعيل الديب:
“ليس الشاعر نزار قباني وحده من عبر عن ندمه لأنه لم يجعل حمص محطة شعرية من محطاته الأساسية، فالشعراء معظمهم كانوا بين ذاكرة عاشق ونادم متحسر، ومشتاق متيم وكلهم يبث نفحة الشوق الحب” بهذه الكلمات رش عطر كلماته الأديب الدكتور غسان لافي طعمه في رحاب رابطة الخريجين الجامعيين في حمص من خلال محاضرة بعنوان “حمص على ألسنة الشعراء” بحضور عدد من أعضاء الرابطة وروادها.
بدأ الدكتور طعمة دراسته منذ العصر الجاهلي فالشعر كما نعلم لصيق بأرواح العرب، وحمص حاضرة على ألسنة شعراء القبائل لأسباب وأسباب فهي مرابع الأهل والأقرباء، ومن أوائل الشعراء الذين ذكروها الشاعر حندج بن حجر الكندي المعروف بامرئ القيس في رائيته المشهورة “سما لك شوق”:
لقد أنكرتني بعلبك وأهلها. ولابن جريح في قرى حمص انكرا
وخلال الفتوحات الإسلامية رأينا الكثير من الشعراء يفدون مع الجيوش العربية إلى حمص من قبائل مختلفة منهم كعب بن مالك وأعشى همدان والنعمان بن بشير والأخطل التغلبي غياث بن غوث الذي مدح عبد الملك بن مروان ويذكر حمص في مديحه
كأنني شارب يوماً أستبد بهم / من قرقف ضمنتها حمص أو جدر
أما في العصر العباسي الذي شهد العديد من الوقائع والحوادث خاصة ما جرى في حمص كثورة القرامطة وتأسيس ملك لهم، أنشدها شعراء كبار ولاسيما الشاعر عبدالسلام بن رغبان من تميم المنسوب إلى حمص المعروف بديك الجن الحمصي… مما قال ديك الجن:
يا آل حمص توقعوا من عارها – خزياً يحلُّ عليكم ووبالا
ولم ينس الدكتور “طعمه” أبا نواس وأبا تمام صديقي ديك الجن ونديمه شعرٌ في حمص، فأبو النواس أعجب بدور لهوها..
وصولاً لعصر النهضة متجاوزاً عصر الانحطاط، وأبرز أعلامها إبراهيم اليازجي الحمصي الأصل، اللبناني الإقامة والذي يحن لموطن آبائه حمص فيقول:
وسقى الله أرض حمص وحيت- نغمات الرضا خصيب عراها
ومن إبرز شعراء المهجر إلى الأمريكيتين الشاعر ندرة حداد يقول من نيويورك: كلما كنت زائراً في البراري – بين وصفّ الورود والأزهار خلت نفسي في حمص وسط الدَّار – أو أمام الميماس في العبَّار
ومن الشعراء الذين استشهد بهم الشيخ ناصيف اليازجي والشاعر الحمصي المغترب نبيه سلامة والشاعر نسيب عريضة الذي يرى الحياة رحلة موحشة تغرقها الدموع
وأشار “طعمة” إلى أن السمة المشتركة لشعراء حمص جميعاً مغتربهم ومقيمهم هي الإخلاص والوفاء لحمص التي استودعها عبد المعين الملوحي عظامه:
سأودع في أحجارك السود أعظمي – فلا يك مثل الناس صخرك قاسيا
وعن شعراء الحداثة الذين اقترنوا بديك الجن والعاصي: مظهر الحجي وعبد النبي تلاوي الذي يتقمص شخصية ديك الجن والشاعر محمود نقشو فحمص لديه حالة إنسانية تسكن في البال.
واختتم بتجربة الشاعر طالب هماش الذي يتماهى مع مدينة حمص ويتحدث عن إنسانها كمخلوق واحد يعاني ما يعانيه من البرد والوحشة والحزن والتمزق الروحي بين ما يريده الإنسان الحمصي وبين ما هو واقع لها:
بردانة حمص التي نامت بلا شعراء
تبكي شتلة القمح الصغيرة في جديلتها
أخيراً: هذا بعض ما تناوله “طعمة” في محاضرته وهو غيض من فيض مما ورد في المحاضرة.