الثورة:
تمر هذه الأيام الذكرى الأولى لرحيل واحد من أهم أعلام وكتاب القصة القصيرة في سورية وصحفي عمل في الثقافة بروح الشاعر والمبدع وبتواضع الكبار الذين قدموا عصارات تجاربهم للأجيال التي ترفد المسار الثقافي.
لم يصب بالغرور الذي أعمى بعض من يفك الحرف وتسلم مواقع ثقافية كبرى في غفلة من الزمن.
ترك ميراثا ثقافيا مهما في الشعر والقصة والدراسات ناهيك بما قدمه لمجلة المعرفة السورية التي ترأس تحريرها وأعطاها دفعا وقوة إلى يوم رحيله.
في الذكرى الأولى لرحيله نستعيد بعضا مما كتب عنه وعن تجربته ومنجزه الإبداعي..من موقع كتابات نقتطف ما قالته سماح عادل
(عن الشعر يقول: “ربما لو جرت الأمور على سجيتها لكان على أن أكون شاعراً، فأنا أنحدر من ثقافة شعرية! يكاد الشعر فيها أن يكون مقدسا وحفظ الشعر حتى الماجن منه يعادل حفظ النصوص المقدسة وليست هذه مبالغات! كما أن والدي شاعر وله كتب شعرية مطبوعة. وأذكر أنني عندما كنت صغيراً كان بعض الناس يطلقون علي لقب (ابن الشاعر) وكنت أظنها شتيمة. إذاً كانت بداياتي مع الشعر ونشرت قصائد كثيرة في الصحف اللبنانية، وكنت وسط أصدقاء كثر من مجتمع الشعراء أعدٌ شاعراً!
لكن، وبما أنني إنسان غير يقيني، فقد ذهبت إلى حقل تعبيري آخر غير المكان الذي وجدت نفسي فيه منذ بداية وعيي الأدبي، وكان الدخول إلى عالم القص كالدخول إلى مملكة جديدة. ومنذ منتصف الثمانينيات لم أكتب شعراً، ولكنني أشعر دائماً أنني معني بالشعر بالشكل الذي يكتب فيه وبالجدل الدائر حوله.
ويجيب عن لماذا تغيب عندك قصص الحب: “لعلها ميزة! الحب عندي تجربة شخصية، ولا يوجد عندي ميل إلى التركيز عليها ومنحها أبعاداً أبعد من حدودها. وبسبب نزوعي نحو التحليل الفرويدي، فإن الأولوية عندي للعلاقات وللسلوك والأقنعة والعنف والنزوع التدميري عند الأفراد والجماعات. ولكن، لا تخلو قصصي تماماً من حالات الحب وأذكرك بقصة (زهرة الخوف) و(حالة عارضة) وإذا كنت تقصد الجنس فهو موجود ولكنه خفي!
وعن المجلات في الحياة الثقافية يقول: “قد تكون هذه المجلات ضرورية وقد لا تكون إن من ينتظر التنوير أو التغيير من المجلة في هذا الزمن واهم بالتأكيد ومع ذلك فنحن ننجذب نحو مثل هذه النشاطات ربما كنوع من اللعب أو الترويض أو تحريك الجو الأدبي. علينا أن نلعب وأن نقر بأهمية اللعب، فالإنسان يتغلب على الكثير من المواجهات الصارمة باللعب. كما أن الوهم حين يكون حافزاً أو محرضاً فما الضير من التجاوب مع الوهم الجميل؟!
وعن الواقع الثقافي السوري يقول: “الواقع الثقافي عندنا مثله مثل أي واقع ثقافي في أي بلد آخر، عربي أو عالمي مع التفاوت بنسب محدودة، فالعلاقات بين المثقفين في أي بلد، تقوم على التناحر والشللية والعداوات العابرة اللدودة أو الودية، أو الصداقات الصادقة، أو المصلحية (هذا هو عالم الفنانين والشعراء والصحفيين، و من يسمون بالمثقفين). عالم هشّ وزائف ولكنه ضروري، فقد يكون هذا التناحر بين الأنوات الثقافية هو تعبير عن رفض الجمود والثبات والعطالة، أو رفض للفوضى الجنونية.
أما دور المثقفين باعتبارهم طليعة، فهي مقولة للأسف تقادمت وعفا عليها الزمن. فلم يعد مثقف اليوم يقول كما كان يقول في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين: «لقد أتيت إلى هذه الدنيا لكي أعترض…»).
سيبقى ناظم مهنا واحدا من أهم الأقلام الإبداعية قدرة على الاستمرارية بما تركه من إبداع نبيل بكل الاتجاهات.