الثورة – أيمن الحرفي:
فعل الخير هو أفضل ما يقرب المحبة بين الناس، وكم من أشخاص في مجتمعنا الأصيل يسارعون لفعل الخير ومساعدة الآخرين، والعطف على الفقراء، والعطاء لهم، ومد يد العون إليهم، فهؤلاء يحتاجون الرغيف ودفاتر المدرسة ومستلزماتها، في ظل هذا الغلاء الكبير بالأسعار، وأولئك يحتاجون عمليات جراحية تكلفتها تصل إلى الملايين بل عشرات الملايين ولا يملكون منها قرشاً واحداً، فنجد من يهرع لمساعدتهم وإنقاذهم.
وهؤلاء الذين يساعدون الآخرين ترفع لهم القبعات لأنهم عرفوا بأن قيمة المرء تسمو بمقدار ما يقدمه للناس الذين ضاقت بهم السبل، وهؤلاء يمنحون غيرهم كل شيء دون منة ولا وضع شروط للحصول على مقابل.
يعيشون هذه الحياة ويعملون فيها جاهدين كي يستفيد من وجودهم أكبر عدد من الناس، فإذا فعلوا ذلك، تجلّت نواياهم، وتطهّرت أرواحهم، وطابت نفوسهم، ويسيرون على قاعدة ” فلا تحقرن قليلًا من الخير تفعله، فان قليل الخير كثيره”.
وأكثر من ذلك إن عملوا خيراً عملوه سراً، ولعل ما يلفت الانتباه في مجتمعنا أكثر من ذلك أن نجد من يساعد الناس وهو لا يملك الثروة أصلاً بل يملك المساعدة بيديه وبقليل مما يملكه فقط.
من هذه الأمثلة في مجتمعنا صاحب متجر صغير هو أبو عمار، وهو يجمع بين هندسة الكهرباء وهندسة الإلكترون، ففي دكانه الصغير يجمع عدداً من المهن والمصالح وصيانة الأجهزة الإلكترونية والكهربائية، لكن اللافت أن أبناء حيه يقصدونه لغير ذلك أيضاً، فمتجره مركز تجميعي لأماناتهم وحاجياتهم، فالسيدة أم خالد تضع عنده أرغفة خبزها ريثما تعود من سوق الخضرة، وأبو عبدو يودع لديه السكر والرز ريثما يقضي حوائجه، أما المعلمة سميرة فتضع ابنها الصغير ريثما تحضر ابنتها من المدرسة الأخرى.
يتقبل الرجل كل هذه الأمور بأريحية و صبر، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وعلى مبدأ اصنع جميلاً و ارمه في البحر، وفي متجره الصغير مكانياً الكبير إنسانياً نرى مظاهر التكافل بأرقى معانيها، فهو يسامح هذه بقيمة تعبئة الغاز لأنها نسيت لا تملك ثمنه، ويسامح ذاك بأجرة تصليح المدفأة الكهربائية لأنه يعرف أنه فقير.
وأكثر من هذا فهو لا يحرج فقيراً إن أعطاه بل لا يشعر الموجودين في محله بهذه الأمور قائلاً لمن منحه أو سامحه بأجرة “لك دين في ذمتي هل نسيت” ناهيك عن أنه يقوم بالإصلاح بين الناس فلا يرتاح باله حتى يصلح بين جارين متخاصمين أو والد مع ابنه أو أخ مع أخيه، فكل شيء يرحل إلا الخير يبقى مغروساً في النفوس الصافية، و يقصده الناس في الجاهات وهو رأس كل مكرمة.
والغريب من يعرفه عن قرب يعرف أن لديه الكثير من الهموم و المتاعب وليس ثرياً، ولكن من لا يعرفه يظنه عكس ذلك، هي سمة التصالح مع النفس والرضا، واللافت أنه موسوعة في كل شيء من الأمور الاجتماعية والقضائية وحتى الطيبة، ولا تحرج نفسك في أمور الطبخ والطعام فهو ذواق من الدرجة الأولى فهو شيف بدرجة ممتاز.
فهنيئاً لمجتمع فيه مثل أي عمار وهم كثر بين بيوتنا، يزرعون الخير بين الناس بنقاء القلب وقناعتهم وشعارهم “العطاء هو قمة السعادة مستذكرين قول الشاعر احمد شوقي: “لا ينفع الميت سوى صالحة مدخرة” فلا يكفي أن تعمل خيراً بل يجب أن تحسن عمل الخير والقمح و العمل لا ينبتان إلا في أرضه طيبة.
