الثورة _ حسين صقر:
من لا يعمل لا يخطئ، وأن يخطئ الشخص، فهو أمر طبيعي ومفروغ منه، لكن هناك أخطاء لن تتكرر، لأنها سوف تكون الخطأ الأول والأخير، والندم فيها لا يفيد كما أن إصلاحها مستحيل، وإذا أصلحت ظاهرياً أو مادياً فهي لن تكون مجدية، لأن أثرها المعنوي والنفسي قد يكون كبيراً على صاحبها أو المحيط.
والسؤال.. لماذا يرتكب الكثيرون منّا الأخطاء نفسها أكثر من مرة رغم النصح والإرشاد والتنبيه، وهؤلاء يرتكبونها على الرغم من وعيهم بأنها أخطاء يجب عليهم تجنّبها والابتعاد عنها ومعرفتهم المسبقة، بعواقبها السلبية وتبعاتها غير المحمودة.
وبدءاً من أخطاء العمل، مروراً بالأخطاء السلوكية والصحية والعادات، وإذا تأملنا بمضمونها نرى أن تجنب تلك الأخطاء يجنبنا الكثير من العواقب والمشكلات، ولكن تختلف الأخطاء عن بعضها، منها المركب ومنها البسيط، فتكرار خطأ الإكثار من الطعام غير الصحي مثلاً، أو سلوكيات التسوق غير المدروسة، أي شراء أشياء لا نحتاجها، بالتأكيد يختلف عن أخطاء في العلاقات الاجتماعية.
وعلى سبيل المثال، خطأ الفتاة بحق أهلها وذويها، أو الشاب أو الرجل أو الصديق بحق من يزرعون به الثقة، أخطاء جسيمة قد لا يمكن إصلاحها مهما حاولنا، ولهذا لابد من التفكير ألف مرة قبل الوقوع بهذا الخطأ أو ذاك، لأنه لن يبقى على تلك التسمية ويتعدى الحماقة.. والسلوكيات الخطرة والعنيفة كثيرة، كالإدمان وتعريض النفس والروح للأذى.
يقول أحدهم: لا أستطيع ضبط نفسي وأمنعها عن بعض الأخطاء، ومشكلتي مثلاً بأنني أحب كثيراً التعرف على الفتيات، وفي كل مرة أنجو بنفسي، بينما يردد آخر أنني اعتدت أن أسرق من بسطات المحال، ولكن هذه أخطاء أكررها مع أنني أعرف أنها مسيئة.
بالمقابل تقول إحدى السيدات: إن بعض الفتيات يخطئن بحق ذويهن لظنهن أن ذلك الخطأ قد يمر بسلام، لكن لن يكون هناك خطأ وسلام.
انحيازات فكرية
علم النفس يقدم إجابات قد تكون صحيحة لبعض هذه الحالات، وتقول الاختصاصية النفسية غزل المحمود في لقائنا معها: قد نظن في أحيان كثيرة أننا واعون لقراراتنا وسلوكياتنا، لكن الحقيقة هي أن الإنسان معرض دوماً للانزلاق نحو القرارات السريعة وغير الواعية، وهذه واحدة من الطرق التي يعمل بها الدماغ، حيث يميل إلى أسلوب متحيز في الأفكار والسلوكيات والأفعال يمنعه من التفكير بوضوح فيما يفعله أو من اتخاذه لقرارات دقيقة وصحيحة.
وتوضح أنه في علم النفس الإدراكي، تعرف هذه الآلية باسم “الانحيازات الفكرية”، وهي مجموعة من الأساليب التي يلجأ إليها الدماغ، وتؤدي إلى أخطاء في التفكير والسلوكيات نتيجة ميلنا إلى كسل في التفكير والتعامل مع العالم من حولنا، ما يؤدي إلى وقوعنا في فخ الأخطاء وتكرارها، متناسين أن تلك الأخطاء هي الأولى والأخيرة.
وتضيف المحمود: يعتمد ذلك على الكثير من العوامل بطبيعة الحال، أهمها أن الدماغ لا يميل دوماً إلى التفكير العميق في كل قرار سيأخذه، فهو يبحث عن الأبسط، ويعتمد على اختصارات عقلية تمكّنه من التصرف بسرعة من دون بذل جهد عقلي أو صرف مزيد من الوقت على ذلك، محاولاً تبرير ما يقوم به دائماً.
الكسل المعرفي
وتشير الاختصاصية النفسية إلى أن هذا الكسل المعرفي مفيد لنا أحياناً، نظراً إلى الكم الهائل من المعلومات التي نتعرّض لها يومياً، فقد يكون من الأسهل علينا اللجوء إلى الاختصارات، إلا أنها قد تؤدي أيضاً إلى أخطاء في التفكير والقرارات، علاوة على ذلك، يمكن أن تسهم الضغوط الاجتماعية والدوافع الفردية وعواطفنا الذاتية في معالجة تلك المعلومات وتوقعنا في فخّ الأخطاء.
وتقول المحمود: إن أحد تلك الانحيازات تُعرف باسم “الانحياز التأكيدي”، وهو ميلنا إلى البحث عن المعلومات والوصول إلى الاستنتاجات التي تؤكد الأفكار الموجودة لدينا مسبقاً، بدلاً من البحث عن المعلومات الجديدة غير المتحيزة التي يمكن لها أن توصلنا إلى الحقيقة كاستخدام أحد الأدلة المحدودة التي تتوافق مع سلوكه لمواجهة أية حقائق أخرى، ومثالها أن يقنع شاب صديقه بعدم مضار التدخين، أو فتاة لصديقتها بالانحراف.
إذاً ينام الخطأ في الذاكرة مدة غير محدودة التوقيت، ويستفيق فجأة على لوم الضمير كله مشاعر عتاب ووجع النفس اللوّامة فيجتاحك الندم على ما فات لكنك تكره الاعتراف، وتصارع من أجل إثبات العكس، لكن بعد فوات الأوان نتساءل كيف أقدمنا على هذا الفعل، يغمرنا الحزن والهمّ وانطواء الرأس، فينقبض القلب دونما رحمة لكن دون جدوى، وتودّ لو تبتلعك الأرض وتنسى.