الثورة – رفاه الدروبي:
واكبت أيام الثقافة الفلسطينية ذكرى مولد الشاعر محمود درويش في مهرجان أيام الثقافة الفلسطينية التي نظمتها أكاديمية الفنون مع المركز الثقافي الروسي “مهرجان للشعر والقصة” حيث توزعت على أمسيتين، شارك فيها شعراء وأدباء من سورية وفلسطين. الأبوة الفلسطينية
الدكتور حسن حميد أشار إلى أنَّ الفعالية بدأت منذ خمس سنوات فربطت الثقافة بميلاد الشاعر محمود درويش لأنَّها لعبت دوراً كبيراً في التاريخ والجغرافيا الفلسطينية، وحتى التقاليد والأعراف، وحملت الأقلام إلى العالم الآخر سواء أكان الداني أم القاصيّ، فكانت فرصة لرؤية الأسماء الجديدة والقديمة والاطلاع على ما لديها من إبداعات في الشعر والقصة القصيرة لأنَّهما جنسان أدبيان يحملان مكنونات الهموم والأقلام الفلسطينية في آن، وتمَّ اختيار الشعراء والأدباء وطرائق الكتابة من أجل الإحاطة بأحلامهم وهمومهم وتوثيقها، واعتبره اختباراً من أجل معرفة أين وصلت الرؤية الفنية للنص الشعري والقصة.
وبيَّن الدكتور حميد أنَّه بعد ٧٦ عاماً من الصبر الفلسطيني المتعاظم أثبت أبناء البلاد أنَّ الأبوَّة لا تُنسى ومعانيها بوصلة الحياة، رافعة الأقلام ومجددة الآمال جيلاً بعد جيل، وأنَّ ما من شيء يُعيد الحق المنهوب طوال الزمن الثقيل سوى الجسارة الوطنية تشبه تلاقي العين بالمخرز وأن ما من شي يوقف دوي المقاومة الفلسطينية المنادي: بلادي بلادي بعد أن غدت أفعالها حديث كل بيت في العالم.كما لفت إلى أنَّه أمرٌ نادر الحدوث فعدوّنا سيطر على كل المنافذ وأغلق الطرق المؤديات إلى الحق أو محاها لكن الأبوَّة الفلسطينية وقيدة العزة المُتجلِّية كل يوم على أرض فلسطين فنحني هاماتنا لمعانيها الكلمات النبيلة.
بدوره الدكتور راتب سكر اعتبر أنَّ مشاركته تواصل وجداني مع سيرة حياة شخصية لم تكن منفصلة عن سيرة القضية الفلسطينية، فجيلنا ورث حكايات فلسطين منذ استشهاد الشيخ القسام عام ١٩٣٥ وما تلاه، امتداداً إلى ثورة عام ١٩٣٦ عندما استشهد في معاركها سعيد العاص وصولاً إلى أيامنا حيث ربطت تفاصيلها بيوميات غزة الصابرة، والشعر يتداول تلك التفاصيل بالرقية المباشرة أو الرمزية، كما يؤكد أمام ذات كلّ منا اندماج حياتنا بمسارات أمة عصيَّة على الإبادة وجدت في فلسطين رمز عزتها، وكبريائها وصبرها على العدوان وصلفه.. أنشد في قصيدة “أمي” المهداة إلى الشهيدة غالية فرحات في الجولان الحبيب:
قلت أمي
طلع الصبح نشيداً
في ربانا الطيبات
قلت أمي
زهر اللوز على ثغر الحياة
ضحكت في أحرفي
كلّ اللغات
قلت أمي
كسر العطر جرار الطيب
فاضت أمهات
قلت أمي
زارني طيف طروب
من رؤاها الطيبات
قلت أمي
فرش العشب بساطاً من حنان
باسم الثغر شهيّ الأمنيات
قلت أمي
عانقت ليلي النجوم الساهرات
كلَّل الثلج جبالي
واهباً صوتي نقاء
في الليالي الحالكات
قلت أمي
طلع الشارع
يزهو في نشيدي
وانتشى بالمكرمات
قلت أمي
ضجّ في روحي أريج الأغنيات
قلت أمي، ثمّ أمي، ثمّ أمي
في بلادي، كلّ أمّ:
غالية فرحات
كما نظم قصيدة عنوانها”ابن العسكري” مهداة إلى والده تامر سكر المتطوِّع في جيش الإنقاذ كُرمى لعيون فلسطين، فأنشد:
سِنْديانُ يَديْك
يُرتِّلُ فَجْري
بِفَيضٍ مِنَ الطِّيبِ
ماسَتْ رؤاهُ
مَواكبَ طالعَةً
منْ ظِلالِ الصُّورْ.
مَوقِدٌ مِنْ بَقايا المَودَّةِ
يقْدَحُ فيها الشَّرَرْ
غَيْمَةٌ فوقَ تلٍّ
يُراقِصُها في حَذَرْ
ويمُدُّ لأضْلاعِها ساحَةً
لتَصونَ الخُطا مِنْ خَطَرْ
يا دمشق موجع عليل
بينما أكَّد الشاعر صالح هواري بأنَّ المهرجان يُنظِّمه كلَّ عام اتحاد الكتَّاب والأدباء الفلسطينيين في سورية من خلال الأمسيات والندوات المتعلقة بإبراز قضية الشعب الفلسطيني للعالم، وبيان كفاحه المستمر، لأنَّ أرض الأنبياء تتربَّع على عرش قلوبنا وعقولنا، فقلمنا رصاصة في بندقية مقاومة، والكلمة الملتزمة النابعة من القلب تصل إليه لعمقها وصدقها:
أنا يا دمشق موجع عليل
أذوق من المر ما لم يذقه من الصبر أيوب
والنفس أمارة بالرحيل
ولكنَّني بعد هذا العذاب الجميل
كزيتونة الله في الأرض
لن أتقاعد أو أستقيل
برحمتي أنادي
فيا غيم أطلق رصاصتك الخضر نحو دمي
لأموت وتبقى عليه
وكم أشتهي أن أرى أدمعك
غربتي في بلادي قد أوجعتني
فمن ياترى أوجعك
تعالَ لننسى
وغنِّ على غصن قلبي لكي أسمعك
برحمة أمك ياغيم
إن كنت تنوي السفر
ويممتَ وجهك نحو حبيبة قلبي فلسطين
خذني معك.. خذني معك مشاركة ذات مدلول
كما اعتبر الشاعر قاسم فرحات يوم الثقافة الفلسطينية حافلاً ومهماً لأنَّه جزء منها، إذ أنشد حزمة من القصائد وعنوانها: “الفدائي”، “الطوفان”، “حنظلة”، “رقصة الأمل” تناول فيهم الهم والقضية الفلسطينية.
ومن قصيدة الطوفان نسوق الشاهد التالي:
يا ناسُ .. غزَّةُ هذا اليوم عاصمة
للمجدِ .. يولدُ في أنحائها الظفرُ
ما ودَّعَت قمراْ .. إلا أتى قمرُ
وما هَوى حجرٌ .. إلا انبنى حجرُ
كم أرسلت ليد الباغي رسائلها
وأسمعتهُ … ولمّا تنفع النُذُرُ
وحين فارَ بها التنُّورُ …. وارتفعت
شمس الفداء .. وأمضى حكمهُ القدرُ
موجُ المعالي عَلا .. وانسابَ مندفعاً
فليهربوا من هدير الموت إنْ قدروا
أما الشاعر أحمد العموري فعاد بعد غياب أربع سنوات للمشاركة في مهرجان الشعر الطويل بعدة قصائد عن القدس واعتبر المشاركة ذات مدلول كبير في ظل الظروف معناة أهل غزة وكانت فرصة للوقوف مع من بذل الدم ومحاولة بمن أراد أن يمحو التراث وإلغاء القضية الفلسطينية نهائياً يثبتوا وجودهم بأنَّهم أصحاب تاريخ ولم شعرهم والوقوف ضد عدو متوحش يبيد الطفولة دون ذنب فأنشد:
هنا الآن موت إلهي إلهي
هنا جسدي خطأ ما
وإيقاع وقتي غزال على المقصلة
إلهي إلهي
أنا لم أشارك يمناً حليب الفطام
ضلوعي لكل الفراشات بيت
إذا أمطرت أمهات الغمام
ثم ختم اليوم الأول الشاعر نزار بريك هنيدي منشداً قصيدتين قصيرتين تناول فيهما الوجع الفلسطيني مع وثوقه من تحقيق النصر.القصة أدب نبيل
وتعاقبت في الأمسية الثانية سبعة أصوات تحاكي الوجع الفلسطيني وتستعرض مساره وتطوره، مُحاولةً التقاط ما يعادل الألم، لذا أوصل محمد حسين وجع المخيم بتفاصيله من خلال ما التقطت ذاكرته من محكيات فلسطينية تحمل قيم الاستشراف حيث يعتبر إحدى المهمات الجليلة لأدب نبيل شكَّل حساسية لالتقاطه واشتغالاته الإبداعية.
بدا ذلك واضحاً في قصة الكاتب رسلان عودة عنوانها ” القبلة” المُتضمّنة استشرافاً عن الذاكرة والإنسان، لكنَّ الأدب المُحتفى بهما ينتمي إلى أدب الحياة والمقاومة والرسوخ، وربَّما يمتلك في كتاباته القصصية روح استقراء الوجود من خلال معاناة الإنسان ومكابدته على المستويين الإنساني والفكري ويضعنا في ملفات الشجن.
وبقدر ما يحتاج السرد القصصي إلى المتلقي فالقصة لابدَّ من إشباعها بقالب درامي وإيقاع عميق لأنَّ المحكيات عن الواقع الفلسطيني تحتاج إلى مبدع ينسج قصته بكثافة ورهافة وتعقيد وتفصيل في كل جزء منها لعلَّه يقبض على دلالة الأثر الفني. إنَّه القاص والروائي عماد نداف صاحب الهواجس الإبداعية وحكايات حارة المؤيد الدمشقية تراه ينثر الكلام ويسير في حارات دمشق نابشاً مافيها من حكايات مخبأة أو ربَّما عبرها شخصاً ونصاً فكتب قصة عنوانها “إلى غزة” رأى فيها القدس متجلية من دمشق. إنَّها نظير القدس ووجه آخر لها فهما مدينتان توءمان.
بينما جسدت سوسن رضوان في قصتها “حدث في جنوب القلب” الوجع والألم فبدت كاتبة ذات رؤية مختلفة لأنها المهجوسة بأسئلة القاع الاجتماعي، وجارتها ناديا إبراهيم في قصة كتبتها من وحي حرب غزة عنوانها “المغامرة المجنونة”.