الثورة :
من أفخر وأرقى أنواع الأقمشة في العالم، المكون الأساسي له الحرير الطبيعي، تزينه الرسوم والزخرفات المميزة بخيوط الذهب والفضة، إنه “البروكار” الدمشقي أو ما يسمى “المُـدَمْـشَـق” نسبةً لدمشق، والذي صمم منه فستان زفاف الملكة إليزابيث الثانية -الذي خطف الأنظار آنذاك- حيث نُـسِجَ بلونٍ أبيض وزُيِـنَ برسومات عصافير وورود مذهبة.
فما هو “البروكار” الدمشقي؟ وكيف اختارته الملكة إليزابيث؟
يعد “البروكار” الدمشقي من أفخر وأرقى أنواع الأقمشة في العالم، ويتكون من الحرير الطبيعي الخالص، ما يعطيه تميزاً يتفرد به عن غيره من الأقمشة، بالإضافة إلى ملمسه الناعم والمريح، ما جعله ملفتاً للملوك والأمراء النبلاء، فيتباهون في ارتدائه أو استعماله لتزيين جدران قصورهم وأثاثهم، وهو ما حدث مع الملكة إليزابيث الثانية، ففي عام ١٩٤٧ أرسل قصر برمنغهام طلباً خاصاً للسفارة السورية في لندن للحصول على هذا القماش لتصميم الفستان وتم الأمر وكانت المفاجأة في الحفل كبيرة لكل من شاهده ورأى رسومه وجودته، حيث خطف الأنظار لأن رسوماته كانت تحتوي ما يسمى “عصافير الحب”.
“البروكار” الدمشقي يدل على الأصالة والعراقة والثراء والرقي، وبفضل هذا كان غالباً ما يختاره الملوك والأمراء وخاصة في مناسباتهم المفضلة، وكمثال عنه فقد حول المصمم نورمان هارتنيل قطعة البروكار المرسلة من دمشق والتي بلغ طولها ١٢ قدماً إلى فستان يبهر الأنظار، حيث جاءت ياقته على شكل قلب، وخصر منخفض بدون أحزمة وتنورة طويلة تصل إلى الأرض مع تطريزات جميلة.
تنفرد به مدينة دمشق منذ القدم، وله حرفيوه وصنّاعه المتخصصون والمشهورون، ونقوشه وزخرفاته، بعضها مأخوذة من التراث الشعبي القصصي القديم، كقصة أبو زيد الهلالي، والزير سالم وبعضها مأخوذ من التراث الإسلامي كالرسوم الهندسية، وأخرى مأخوذة من التراث العالمي كروميو وجولييت، إضافة إلى نقوش أخرى يطلق عليها تسميات عدة مثل: (القارب الإغريقي، والخط العربي، والموزاييك، والبقلاوة الشامية، ونقش الفراشة المكون من سبعة ألوان).
وكان النساجون أحياناً يقلدون النقوش الموجودة على جدران وأسقف المنازل الدمشقية القديمة والأماكن الأثرية، وتحتاج حياكة البروكار الدمشقي إلى مهارة وصبر كبيرين، فهي حرفة يدوية تتم على الأنوال الخشبية، ولإنتاج المتر الواحد منه يتطلب عملاً متواصلاً لمدة عشر ساعات تقريباً، لكن النتيجة تستحق كل هذا الجهد والصبر.
تراجعت صناعة البروكار بسبب هجرة الحرفيين أثناء الحرب العدوانية على سورية، وبسبب ضعف إنتاج الحرير، وعدم تربية دودة القز، وصعوبة استيرادها ما أدى إلى صعوبة توفير المواد الأولية للصناع، فانعكس ذلك على ارتفاع أسعار القماش لعدة أضعاف.
ولإنقاذ المهنة قامت الدولة بفتح مراكز مهنية، وعلى الرغم من تعليم الطلاب إلا أنهم هواة وذلك لا يمكن خلق حرفيين ماهرين منهم، وحاول صناع البروكار في دول الغرب تقليد هذه الصناعة إلا أنهم فشلوا.
والجدير بالذكر أن السيد أنطوان مزنر واضع الحجر الأساس للنهضة الصناعية بدمشق، وهو أول من استبدل النول فيها بالمكنات والآلات، وظل يهتم في تحسينه وتنظيمه حتى أصبح معمله أعظم معمل في دمشق بتعدد ماكيناته وحداثة طرازه، اشترك السيد مزنر في عدة معارض في أميركا وفرنسا ومصر ولبنان والشام، فنال عدة جوائز وشهادات تثبت شدة تفوقه وتقدير أرباب الفن له.
راما مفيد محمود