الثورة- سعاد زاهر:
يضع فيلم قضية الغرباء “The Strangers’; Case” المأساة في إطار درامي وإنساني مختلف، يستند العمل إلى إرث أدبي، مستلهماً خطاب السير توماس مور الذي صاغه شكسبير دفاعاً عن اللاجئين قبل قرون، ليعيد طرح السؤال ذاته، كيف نرى «الآخر» حين يتحوّل إلى غريب يطرق أبوابنا؟
الفيلم لا يكتفي بسرد قصة عائلة واحدة، بل يفتح أبواب الحكاية على خمس عائلات في مسارات متوازية، متنقلاً بين حلب، تركيا، اليونان، وأوروبا، في محاولة لالتقاط صورة بانورامية لمحنة اللاجئين.
هذه الخصوصية، إضافة إلى الرؤية الإخراجية المتأثرة بالتجربة الميدانية لمخرجه الناشط الأميركي براندت أندرسن، جعلت الفيلم يحظى باهتمام نقدي وجماهيري، وتُوِّج بجائزة منظمة العفو الدولية في «برليناله».
الفيلم كتبه وأخرجه براندت أندرسن، بمشاركة ممثلين بارزين مثل: ياسمين المصري، يحيى مهايني، جهاد عبده، عمر سي، زياد بكري، فارس الحلو، قسطنطين ماركولاكيس، جايسون بيجي، وتولّى التصوير جوناثان سيلا، بينما قام بالمونتاج جيف سيبينيك.
وحضور هذا المزيج من الأسماء العربية والعالمية عزّز الطابع العالمي للفيلم، مانحاً إياه قدرة على العبور بين الثقافات واللغات.
أكثر ما يلفت هو أداء ياسمين المصري في شخصية الطبيبة “أميرة” التي تحمل العبء العاطفي الأكبر في الفيلم، تُمثّل صراع الداخل السوري، الأمومة، وفقدان الأمان، بوجهٍ يختلط فيه الانكسار بالقوة، إلى جانبها، قدّم يحيى مهايني وزياد بكري شخصيات تتأرجح بين الضحية والباحث عن النجاة، بينما أضفى فارس الحلو ثِقلاً في تجسيد مأساة الانكسار الإنساني داخل منظومة الحرب.
اعتمد التصوير على التناقض بين الكاميرا القريبة الحميمية في مشاهد الحرب والتهجير، والإطار الواسع حين يمتد السرد إلى مشاهد الشتات والانتظار، هذا التوظيف منح الفيلم لغة بصرية مزدوجة، الألم كجرح شخصي، والمعاناة كقدر جماعي.
الإضاءة واللون يتناوبان بين العتمة الثقيلة في مشاهد المستشفى والمخيمات، والإنارة الباردة في البحر والمرافئ، وكأن الفيلم يذكّرنا أن اللاجئ يعيش بين ظلامٍ خلفه وبردٍ أمامه، هذه السينوغرافيا تعمّق من أثر المشاهد، حتى وإن جنحت أحياناً إلى المباشرة الإيضاحية.
براندت أندرسن، الذي خبر واقع المخيمات وزار غزة وحلب، جاء بفيلمٍ يمزج بين التجربة الناشطة والخيال الدرامي، رؤيته تسعى إلى تأكيد إنسانية اللاجئ عبر خطاب عالمي، هذا الخيار يضع المشاهد أمام ثنائية واضحة، “ضحية، جلاد” “ناج، مستغل” دون فسح كبير لمساحات الالتباس أو الرمادي.
مع ذلك، يبقى للفيلم فضل كبير في إثارة النقاش وإجبار الجمهور على مواجهة سؤال المسؤولية الجماعية عن المأساة السورية، نجاحه في المهرجانات العالمية يثبت أن القضية تصبح مؤثرة عندما تصاغ بلغة فنية صادقة.
«قضية الغرباء» ليس مجرد فيلم عن اللجوء السوري، بل عن الإنسان في مواجهة انهيار العالم من حوله، هو عمل ينجح في استدرار التعاطف، ويُعيد طرح أسئلة الأخلاق والسياسة والذاكرة.