الثورة – ثورة زينية:
شرعت محافظة دمشق مؤخراً في مشروع كما يبدو أنه تحسين للبنية التحتية في وسط العاصمة، وهو تغيير أرصفة محيط ساحة الأمويين.
خطوة أثارت جدلاً واسعاً، خاصة أن هذه الأرصفة كانت من الأفضل جودة وتصميماً في المدينة، ما يطرح تساؤلات عن جدوى هذه الخطوة في ظل وجود أحياء كاملة تعاني من إهمال بنيوي خانق وواضح في أرصفتها وشوارعها.
ساحة الأمويين التي تعد قلب العاصمة ومركزاً ثقافياً وسياحياً مهماً تحظى باهتمام دائم من الجهات المعنية، لكن في الوقت الذي تنفق فيه ميزانيات كبيرة لتحسين أرصفتها تعيش أحياء مثل القدم والميدان والبرامكة وبرزة وغيرها حالة مزرية من التشققات والحفر التي تهدد سلامة المارة يومياً، ولاسيما كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
المواطنون يطالبون بالإنصاف
لماذا يتم إنفاق الأموال على تغيير أرصفة كانت جيدة أصلاً في ساحة الأمويين، في حين أن الأرصفة في منطقتنا بحالة متدهورة وغير صالحة للمشي؟ يتساءل الطبيب رامز العلبي من حي الميدان.
فيما تصف المهندسة منال السايح من حي برزة بأن الأرصفة في العديد من مناطق حي برزة مهددة بالسقوط، ونحن نطالب فقط بتصليحها كي لا تحدث حوادث، لكن لا أحد يسمعنا.
محدودية الميزانية والموارد
مصدر من داخل محافظة دمشق بين لصحيفة الثورة أن إعادة تأهيل أرصفة ساحة الأمويين تأتي ضمن خطة استراتيجية لتطوير المناطق السياحية والتراثية، التي تعد ركيزة لجذب السياح وتعزيز الاقتصاد المحلي، لكنه أقرّ بأن معالجة الأحياء الأخرى ستكون تدريجية بسبب محدودية الميزانية والموارد.
المعنيون في محافظة دمشق رغم اعترافهم بالتحديات المالية يواجهون نقداً حاداً من سكان يشعرون بأن أصواتهم غير مسموعة، وهذا يعكس أزمة ثقة بين المواطن والإدارة قد تؤثرعلى المشهد الاجتماعي والتنمية المستقبلية للعاصمة.
تفاوت في توزيع الخدمات
أستاذ التخطيط العمراني بجامعة دمشق سامي الخطيب يحذر من التمركز في تقديم الخدمات على مناطق معينة، موضحاً: التركيز على المناطق المركزية له ما يبرره، لكنه لا يجب أن يكون على حساب أحياء تعاني من تدهور البنية التحتية.
معتبراً أن الإدارة الناجحة توازن بين تحسين المظهر الحضري، وتوفير بيئة حياة آمنة ومستدامة للجميع، مؤكداً أنه لا يمكن لدمشق أن تزدهر فعلاً إذا استمر التفاوت في توزيع الخدمات والبنية التحتية بين أحيائها، وعلى المسؤولين في المحافظة أن يعوا أن المدينة ليست فقط مواقع سياحية تزين، بل هي حياة الملايين الذين يستحقون بيئة آمنة وكريمة.
الخبير في شؤون تخطيط المدن المهندس رسمي المبيض أكد أن تخصيص الموارد يحتاج إلى شفافية وتقييم مستمر للأولويات، فالأرصفة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية يجب أن تحظى بالأولوية لأنها تؤثر مباشرة على سلامة وجودة حياة المواطنين.
وأشار إلى أن ما يجري في دمشق اليوم ليس مجرد إصلاح أرصفة بل يعكس خللاً في إدارة الأولويات بين تزيين الواجهة وترك العمق يعاني، وما يبدو عليه الوضع حالياً مشروعات تظهر بشكل متقطع وأخرى تستنزف الميزانيات في أماكن أقل حاجة فيما تبقى أحياء كاملة تعيش حالة من الإهمال والتهميش.
ولفت المهندس المبيض إلى أن استثمار الموارد بحكمة ووضع خطة تنموية شاملة تراعي حاجات كل الأحياء ليس خياراً بل ضرورة ملحة للحفاظ على النسيج الاجتماعي وتعزيز ثقة المواطن بمؤسسات مدينته، داعياً المجتمع المدني ليكون بدوره صوتاً فاعلاً يطالب بحقوقه، ويشارك في صناعة القرار لضمان أن تصبح دمشق مدينة تتساوى فيها الخدمات لجميع أبنائها وأحيائها.
إن دمشق الحقيقية ليست فقط في ساحاتها الجميلة، بل في أزقتها وأحيائها التي تحتاج لأن تعانقها يد العدالة والتنمية لتكون العاصمة التي نحلم بها جميعاً.