الثورة – علي إسماعيل:
سلوك عدواني يخرج عن طور العبثية، ويتجه بقوة نحو المنهجية المتتابعة لتحقيق أهداف خطيرة، السلوك الإسرائيلي في المنطقة يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويعمق الأزمات ويذهب باتجاه تسعير نار المواجهة وتصعيد المواقف دون خجل أو وجل.
كل ذلك لا يجعل لردود الأفعال المتسرعة والارتجالية مكاناً في ميزان السياسية السورية للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي المنفلت من عقاله.
وفق رؤية الرئيس أحمد الشرع، العلاقة مع إسرائيل تمر في مرحلة ما بعد الصدمة، حيث لايزال الطرف الإسرائيلي يحاول التكيّف مع حقيقة أن النظام السوري السابق قد سقط بشكل لم يكن في الحسبان، وأن إسرائيل لم تُخفِ حزنها، وتتحرك الآن بدافع استراتيجي مزدوج أول شطر فيه استعادة أدوات السيطرة غير المباشرة على سوريا، وثانيه التصدي لما تعتبره تغيراً في ميزان الردع الإقليمي.
الرئيس الشرع كشف أن باب الحوار مفتوح على مصراعيه، وإن لم يُنجز بعد، فهناك كما أشار نقاشات جارية، بعضها معلن، وبعضها غير معلن، حول إمكانية العودة إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، أو صيغة قريبة منه، بما يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 8 ديسمبر 2024، تاريخ سقوط النظام البائد.
الجمل التي انتقاها الرئيس الشرع في حديثه مع قناة الإخبارية، لم تأتِ بلغة حمالة أوجه، بل بلغة قائد يدرك قواعد اللعبة جيداً عندما وصف إسرائيل بأنها “تُعالج فشلها الاستخباراتي باستخدام العضلات”، محذراً من أن هذا النمط السياسي لا يؤدي إلا إلى تفاقم التوتر، وربما الحرب، لكن في المقابل، فتح الباب أمام استئناف نوع من التفاهمات الأمنية، تضبط الحدود، وتصنع توازناً مقبولاً.
النقطتان الأساسيتان المترابطتان واللتان أظهرتا براعة السياسة السورية في حديثه كانتا حول الرفض المطلق لأي ابتزاز أو شروط مسبقة، مع استعداد صريح للعودة إلى اتفاقات تحترم السيادة، وتحمي الاستقرار، وهذا الترابط بين الحسم والمرونة، هو سر قوة التعاطي السياسي السوري مع تلك المواقف في مرحلة حساسة على المستويين الإقليمي والدولي.
الرئيس الشرع أشار إلى أن بعض السياسات الإسرائيلية الحالية تبدو وكأنها محاولة للانتقام من الواقع الجديد في سوريا، فقد اعتادت إسرائيل على أن تتعامل مع سوريا باعتبارها “ساحة صراع بالوكالة” لتصفية حساباتها مع قوى إقليمية، أو كمنصة لضبط الأمن عبر التفاهمات غير الرسمية مع النظام السابق، لكن إسقاط ذلك النظام بسرعة أربك الحسابات الإسرائيلية، وأفقدها جزءاً من أدواتها، وهذا ما يفسر، وفق الشرع، أن الاحتلال شعر أن دمشق خرجت من اتفاق 1974، رغم أن القيادة الجديدة أبدت التزامها الفوري به، وراسلت الأمم المتحدة بذلك، وطلبت من قوات فض الاشتباك العودة إلى مواقعها المعتادة.
إحدى أهم الرسائل التي تضمنها حديث الرئيس الشرع مفادها أن سوريا لا تبحث عن صراعات ولا ترغب في التوتر مع أي دولة في العالم، بما في ذلك إسرائيل، لكنها أيضاً لا تقبل بأن يُفرض عليها واقع سياسي بالقوة لذلك تغلب لغة الحوار على لغة الحديد والنار وتدفع بالتي هي أحسن تجنباً لنتائج كارثية لن يسلم منها أحد ولن تبقى ضمن حدود المنطقة.
هذه الرؤية المتوازنة ترفع من الرصيد السياسي السوري في الميادين الإقليمية والدولية، من خلال تطبيق عملي لمنطق الدولة لا عبر الاستقطاب.
في البعد الاستراتيجي لحديث الرئيس الشرع حول الموقف من إسرائيل تبرز ملامح هدف يرنو إليه هو أبعد من مفهوم الصراع العسكري، هو صراع سرديات ومواقف، لا تتلقى فيه رسائل الآخرين بل تنطلق من مصالح وطنية وفق مبدأ أن التفاوض مع إسرائيل ليس تنازلًا، بل جزء من إدارة الصراع بعقل بارد وميزان دقيق، فالرئيس الشرع لم يهدد بالتصعيد ولم يستجد المشاعر، بل قدم موقفاً واقعياً متوازناً استند فيه على قوة الوعي، والقدرة على الحفاظ على السيادة دون التخلي عن أدوات الدبلوماسية.