سوريا الجديدة.. من العزلة إلى بناء التوازنات

الثورة – فؤاد الوادي:

أدخلت سياسات النظام المخلوع، سوريا في قوقعة، عزلتها عن العالم لعقود طويلة، نتيجة ارتباطه بمحاور ومشاريع أيدلوجية تحت شعارات وطنية وقومية، وهذا ما أثر كثيراً على دورها وموقعها وعلاقاتها بدول الجوار والمحيط والعالم. لكن بعد سقوط نظام الأسد، سارعت سوريا الجديدة بقيادتها، إلى تحطيم تلك القوقعة، والخروج إلى النور، فكانت من أولى استراتيجيتها إعادة بناء علاقاتها مع دول العالم، والانتقال من حالة العزلة والأحادية والاصطفاف والمحاور، إلى حالة التعاون والشراكة في العلاقات والتوازنات، انطلاقاً من موقعها الجيوسياسي الهام، ودورها التاريخي والحضاري والمستقبلي المؤثر.

زخم العلاقات

الباحث السياسي الدكتور عامر النمر الاستشاري في المجلس الاجتماعي والاقتصادي في الأمم المتحدة ومدير أكاديمية ريمار للدراسات والأبحاث، أكد في لقاء مع صحيفة الثورة، أن الحديث عن “سوريا الجديدة” لا يعني تغيير نظام سياسي فحسب، بل إعادة صياغة موقع الدولة في النظام الدولي، مضيفاً أن السياسة الخارجية لسوريا باتت تحمل سمات مختلفة عن العقود الماضية، حيث يظهر زخم عالٍ في إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية من جديد، وكأنها ترسم وفق ما يمكن أن نسميه ” هندسة السياسة الخارجية”، لجهة سعي دمشق إلى تصميم شبكة أكثر توازناً في علاقاتها، مع توظيف أدوات القوى الناعمة عبر الاستثمارات والتعليم والإعلام لتشكيل رافد إضافي لدورها الخارجي.

وقال النمر: “طوال أكثر من نصف قرن، اقتصرت السياسة السورية على اصطفاف أحادي مع المعسكر الشرقي، بدءاً من الاتحاد السوفييتي وصولاً إلى روسيا، وهذا الخيار حدّ من الحركة الدبلوماسية وأضعف الانفتاح على محاور إقليمية ودولية أخرى، أما اليوم تبدو الصورة مختلفة، انفتاح على الخليج في ملفات الطاقة والاستثمار، استمرار العلاقة مع موسكو على أساس براغماتي جديد، حوار مع الولايات المتحدة حول مكافحة الإرهاب وإعادة هيكلة المؤسسات فضلاً عن الاستثمارات، إلى جانب بحث عن جسور مع الاتحاد الأوروبي في قضايا اللاجئين وإعادة الإعمار، إضافة إلى فتح صفحة تعاون استراتيجي غير مسبوقة مع تركيا “.

تحولات جذرية

وفيما يتعلق بالتحولات الجذرية التي طرأت على السياسة الخارجية للدولة السورية، أوضح الباحث السياسي، أن الفارق الجوهري في السياسة الخارجية السورية يتجسد في أنها لم تعد تدور في فلك محور واحد، بل تحاول رسم دور إقليمي مستقل قائم على التوازن لا على الارتهان، وهذا التوازن قد لا يكون مكتملاً بعد، لكنه يمثل خطوة نوعية في كسر احتكار العلاقات الذي حكم دمشق لعقود، وهذا ما أكده الرئيس أحمد الشرع مؤخراً، خلال لقائه مع الإخبارية السورية، عندما قال :”إن التموضع السياسي في المرحلة الراهنة سيكون على أساس مصلحة سوريا أولاً، وأن العلاقات الدولية يجب أن تُبنى على الاحترام المتبادل والاستفادة من جميع الأطراف”، من هنا يأتي التعاون الاقتصادي مع روسيا، مثل اتفاقيات الطاقة والنفط، في هذا الإطار، تعاون يقوم على المصلحة المشتركة لا على التبعية كما كان في السابق.

وأضاف النمر، هذا ما أكده أيضا وزير الخارجية أسعد الشيباني مرات عديدة، بقوله: “إن الهدف الأساسي للسياسة السورية الخارجية هو المساهمة في خلق وضع إقليمي ودولي يقوم على التعاون المشترك والاحترام المتبادل والشراكات الاستراتيجية، وأن سوريا تعطي أولوية خاصة لروابطها العربية وتعمل على تعزيز علاقتها بجوارها المباشر”، وهذه التصريحات تعكس انتقال السياسة الخارجية من منطق الاصطفاف إلى منطق بناء الشراكات.

منظور جديد

وبيَن، أن سوريا الجديدة تحاول استخدام السياسة الخارجية كأداة لإعادة الشرعية الدولية والانخراط في المنظمات الأممية، مع الالتزام بالاتفاقيات الدولية مثل ملف الأسلحة الكيميائية، كما تسعى لتوظيف الدبلوماسية الاقتصادية لجذب الدعم والاعتراف، وتفعيل أدوات القوى الناعمة عبر برامج التعليم والمبادرات الإنسانية والاستثمارات، لخلق صورة مختلفة للدولة وفتح قنوات تواصل مع الشعوب لا مع الحكومات فقط. وختم الباحث السياسي الدكتور عامر النمر حديثه بالقول:”إن السياسة الخارجية السورية اليوم تستحق أن تدرس من منظور جديد، بعيداً عن المعايير التقليدية التي حكمتها لعقود، فهي سياسة في طور التشكّل، تسعى إلى التوازن بين الشرق والغرب، وإلى إعادة تعريف دور دمشق كفاعل إقليمي يستند إلى المصالح المشتركة لا إلى التبعية، وإذا أحسنت إدارة هذا التموضع، فإن القوى الناعمة والتعليم والثقافة والمساعدات الإنسانية يمكن أن تشكل العمق المستدام لدور سوريا في محيطها والعالم”.

آخر الأخبار
أردوغان: ملتزمون بدعم وحدة واستقرار سوريا  الذهب يواصل ارتفاعه محلياً وعالمياً والأونصة تسجل 42.550 مليون ليرة سوريا: مستعدون للتعاون مع "الطاقة الذرية" لمعالجة الملفات العالقة التأمين الصحي.. وعود على الورق ومعاناة على الأرض "تجارة ريف دمشق" تبحث مع شركة تركية توفير الأدوية البيطرية   قرار ينصف المكتتبين على مشاريع الإسكان مراقبون تموينيون جدد .. قريباً إلى الأسواق  جاليتنا في "ميشيغن" تبحث مع نائب أميركي الآثار الإنسانية للعقوبات  "الشيباني والصفدي وباراك" يعلِنون من دمشق خطة شاملة لإنهاء أزمة السويداء 4 آلاف طن  إنتاج القنيطرة من التين خطاب يناقش مع لجنة التحقيق بأحداث السويداء المعوقات والحلول هل تكون "المخدرات" ذريعة جديدة في صراع واشنطن وكراكاس ؟ لجنة لدراسة قطاع الأحذية والمنتجات الجلدية في حلب باحث اقتصادي: التجارة الخارجية  تضاعفت مرة ونصف منذ ثمانية أشهر نقلة من  الاقتصاد الواقعي إلى الالكتروني تعاون مالي سوري - سعودي "قدرات".. مشروع يضيء دروب الباحثين عن فرصة عمل المدارس الخاصة في اللاذقية.. رفاهية تعليمية لِمَن استطاع إليها سبيلاً سوق السيارات المستعملة.. أسعار خيالية والصيانة تلتهم ماتبقى البلاغة السياسية.. كيف اختصر الرئيس الشرع التحديات في خمسين ثانية؟