الثورة- ناديا سعود:
في بلد يرزح منذ عقود تحت ثقل الاستبداد والفساد، يطرح الأكاديمي والمحامي السوري زهير مارديني – الحائز على جائزة مبادرة ماريان العالمية لعام 2024 من رئاسة الجمهورية الفرنسية – تساؤلًا جوهرياً:
هل تكفي النصوص القانونية السورية لمكافحة الفساد، أم أن الأمر يتطلب إعادة بناء شاملة للمنظومة القانونية والمؤسساتية؟
يرى مارديني أن الفساد في سوريا ليس مجرد ممارسات فردية معزولة، بل هو “بنية مؤسسية” تغذت على عقود من الاستبداد، ورغم وجود مواد قانونية تُجرّم الرشوة والاختلاس، وتنصّ على إنشاء “الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش” كجهاز رسمي لتلقي الشكاوى والتحقيق فيها، إلا أن التجربة العملية تكشف محدودية فاعلية هذه النصوص، فالشكاوى غالباً ما تتعثر في متاهة البيروقراطية، بينما يبقى المبلّغ عن الفساد مكشوفاً ومعرّضاً للانتقام الإداري أو القضائي.
يؤكد مارديني أن الهيئة المركزية تبقى العمود الفقري لأي إجراء قانوني، لكنها بحاجة ماسة إلى التكامل مع آليات رقمية حديثة. فالمنصة الإلكترونية المستقلة إذا أُنشئت وأُديرت بجدية يمكن أن تشكّل قناة أولية لتلقي البلاغات مرفقة بالأدلة الرقمية، قبل تحويلها تلقائياً إلى الهيئة، هذه الخطوة برأيه، تسرّع الإجراءات وتعزز الشفافية، شرط إقرار قانون خاص يحمي المبلّغين من أي انتقام.
حماية المبلّغين… الفجوة الأخطر
يصف مارديني غياب قانون لحماية المبلّغين في سوريا بأنه إرث استبدادي يهدف إلى إسكات المواطن، بينما المعايير الدولية تؤكد أن حماية المبلّغ من العقوبات الإدارية والملاحقات التعسفية هي أساس نجاح أي منظومة مكافحة فساد.
في زمن التحول الرقمي، تصبح الصور والتسجيلات ورسائل البريد الإلكتروني أدوات حاسمة في كشف الفساد، غير أن القانون السوري – بحسب مارديني – لا يعترف صراحة بهذه الأدلة، تاركاً الأمر لتقدير القاضي، وغالباً يكون مشروطاً بمحاضر رسمية، وهنا يطرح مارديني ضرورة تحديث قانون الإثبات للاعتراف بالأدلة الرقمية وتوثيقها تقنياً، ما يعزز مصداقية التحقيقات ويجعلها أكثر فاعلية.
رغم أن قانون العقوبات ينصّ على السجن والغرامات والعزل من الوظيفة العامة في جرائم الفساد، إلا أن التطبيق العملي، كما يقول مارديني يشهد تقاعساً واضحاً بفعل التسويات والتخفيفات.
ومن هنا يدعو إلى تشديد العقوبات، خصوصاً في الجرائم التي تمس المال العام، وصولاً إلى الحرمان النهائي من أي وظيفة عامة للموظف الفاسد.
خريطة طريق إصلاحية
من وجهة نظر إصلاحية، يضع مارديني تصوراً متكاملاً لإعادة بناء الإطار القانوني والمؤسسي لمكافحة الفساد، عبر:
إصدار قانون لحماية المبلّغين، وتحديث قانون الإثبات للاعتراف بالأدلة الرقمية، وإنشاء محاكم متخصصة في جرائم الفساد و تكامل الهيئة المركزية مع منصات إلكترونية لتعزيز الشفافية والسرعة.
يختم مارديني بالقول: الدولة الجديدة تبدأ عندما يصبح المواطن شريكاً في كشف الفساد لا ضحية له، وحين تُبنى قاعدة قانونية صلبة تضمن العدالة، الردع، والشفافية.