الثورة – منذر عيد:
يظهر الرئيس الأميركي جو بايدن وأركان إدارته، في جميع تصريحاتهم إزاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وحرب الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي هناك، بصورة الضعيف العاجز عن اتخاذ أي قرار يوقف ذاك العدوان، بل إن الصورة العامة توحي بأن واشنطن تستجدي حكام الكيان الصهيوني في الكثير من الأشياء، في صورة خداعة غير واقعية لحقيقة الأشياء، حقيقة تؤكد أن الموقف الأميركي والصهيوني واحد فيما يخص العدوان، وبأن بعض الأمور التي تقدم عليها إدارة بايدن مثل رمي المساعدات لسكان غزة جواً ليس إلا من باب ذر الرماد في العيون، والإيحاء بحرصها على الجانب الإنساني للسكان المدنيين، بالتزامن مع إلقاء الكيان الصهيوني قنابل الموت وصواريخ الدمار، وهي صناعة وهدية أميركية، على كل ركن من أركان القطاع.
النفاق والرياء الأميركي تجلى بأوضح صوره في إلقاء المساعدات على أهل غزة جواً، ليتبادر إلى ذهن الجميع سؤال غاية في الأهمية، هل واشنطن التي مدت الكيان بأدوات القتل في عدوانه على غزة طوال 156 يوماً، عاجزة عن إجبار الكيان الصهيوني على إدخال المساعدات براً عبر معبر رفح وتوزيعها بشكل لائق للسكان هناك، أم هي محاولة من مسؤولي الإدارة الأميركية لغسل أيديهم من دماء أطفال ونساء وشيوخ غزة، والتدليل أن حكام الكيان في حالة تمرد لما يطلبه الأميركي، وأنه لا يمكن إجبارهم على الكثير من الأمور.
إعراب حالة النفاق الأميركي، وانكشاف حالة التمازج في المواقف بينها وبين الكيان الصهيوني ظهر سريعاً من خلال مسارعة بايدن للإعلان عن إنشاء ميناء عسكري على ساحل قطاع غزة، بزعم إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة عن طريق البحر، ليكون الترحيب الصهيوني بتلك الخطوة دليلاً على أن ما وراء الاكمة ما وراءها، وبأن ذاك المشروع ليس إلا وسيلة جديدة لمخطط جديد أو لتنفيذ ما عجز الكيان وواشنطن عن تنفيذه طوال 156 يوماً من العدوان، خاصة وأن خبراء العمل الإنساني ومسؤولين في منظمات دولية انتقدوا الخطة الأميركية لإنشاء الممر، وقالوا إنها تصرف الانتباه عن الأزمة الحقيقية في غزة، بالتزامن مع نقل صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن دبلوماسيين ومسؤولي إغاثة حديثهم عن تحديات هائلة تواجه جهود نقل المساعدات الإنسانية إلى غزة بحراً موضحة أن بناء الميناء العائم ونفقات الشحن يكلفان عشرات ملايين الدولارات، على حين تساءلت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن جدوى بناء الميناء موضحة أن أهم عيب فيه يتعلق بمن سيوزع المساعدات، بالإضافة إلى وجود مخاوف من أنها ستكون متأخرة للغاية للفلسطينيين الذين يواجهون المجاعة.
ثمة العديد من المؤشرات تؤكد أن ثمة غايات أخرى على عكس الادعاء بمساعدة سكان غزة، تقف وراء إنشاء الممر البحري على شاطئ غزة، أولها أنه سيقام بموافقة ومشاركة إسرائيلية، بمعنى أن الكيان الصهيوني يبدي حرصه على إدخال المساعدات، وكأنه طرف محايد لا صلة له أو ليس هو المسبب بالمشكلة، وليس هو من يمنع دخول تلك المساعدات عبر معبر رفح البري، لينقل موقع “المونيتور” عن المتحدث باسم وزارة خارجية الكيان الصهيوني، ليئور حيات، قوله على موقع X، أن ” المبادرة القبرصية ستسمح بزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، بعد فحص أمني وفقاً للمعايير الإسرائيلية”، وهذا دليل إدانة بأن الكيان وواشنطن يريدان إخراج المعبر البري من الخدمة، وفرض أمر واقع وهو إبقاء سكان غزة في إطار الحصار وضمن سجن كبير.
وفي هذا الإطار يرى الكثير من الخبراء والمتابعين، أن الممر البحري قد يتحول إلى نقطة رئيسية لتهجير سكان غزة إلى بلدان أخرى، والسيطرة على مصدر رزق الغزيين الوحيد وهو البحر، إضافة إلى تدويل القطاع عبر إنشاء نقطة بحرية دولية مشتركة قد تتحول لاحقاً إلى نقطة عسكرية، وكل هذا مع تأكيد جميع الخبراء وأصحاب الشأن بأن دخول الممر بحالة الخدمة الفعلية لن يكون قبل أسابيع، بمعنى بعد أحد أمرين، إما القضاء على السكان جوعاً، أو وقف العدوان، وبذلك يتم استخدام الممر للغايات التي تم لأجلها.